بعد التصريح الذي أدلى به "شون ماكورماك"، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية الثلاثاء الماضي، والذي قال فيه: إن الإدارة الأميركية ترفض الدعوة إلى وقف إطلاق النار لأن ذلك لن يؤدي إلى حل على المدى الطويل. وبعد أن أوضح مسؤول الخارجية الأميركية أن واشنطن تريد أن تترك لإسرائيل الوقت كي تفكك "حزب الله" قبل الدعوة إلى وقف إطلاق النار، قفزت إلى ذهني تجربة حرب يونيو 1967 التي اندفعت إليها ثلاث دول عربية دون أن تدري أنها تستدرج إلى كمين إسرائيلي محكم ومتفق عليه مع الإدارة الأميركية. لقد بدا لي بمقارنة التجربة التي نمر بها اليوم في يوليو 2006 بتلك التي عشناها عام 1967، أن حسابات المعارك وما ينبني عليها من أرباح وخسائر، تجري في معزل عندنا عن دراسة الخطط الاستراتيجية بعيدة المدى التي تضعها قوى العدوان الإسرائيلية في أدراجها، انتظاراً للفرصة المناسبة والذريعة المقنعة والتوقيت المناسب. في يونيو 1967 خلقنا بأنفسنا للمخطط التوسعي الإسرائيلي الفرصة التي كان يتحينها، عندما أقدمت القيادة المصرية على طلب سحب قوات الطوارئ الدولية من سيناء، والتي كانت مستقرة فيها منذ عام 1956. كانت الحسبة في ذلك الوقت أن دفع القوات المصرية إلى سيناء، سيحقق لنا مكاسب مضمونة تتمثل في منع إسرائيل من العدوان على سوريا وفي إعادة السيطرة المصرية على مضيق شرم الشيخ. النهاية المأساوية لهذه الحسبة المبسطة التي أسقطت من الاعتبار أننا نواجه عدواً يُبطن التوسع في الأرض العربية، ويرى في هذا التوسع إشباعاً للعقائد الأيديولوجية الصهيونية، وهو ما حدث باحتلال إسرائيل العدوانية التوسعية لأراضي الدول العربية الثلاث. منذ يونيو 1967 وأمتنا تعيش النتائج المريرة، والعدو يمرح في الجولان والضفة الغربية وغزة بعد أن قطف من مصر معاهدة منفردة للسلام في أعقاب حرب أكتوبر 1973، مقابل إرجاع سيناء إليها. لقد تكشفت مع السنوات أعماق الخطة الإسرائيلية المدعومة من الإدارة الأميركية لإسقاط تحالف النظامين الحاكمين في القاهرة ودمشق آنذاك، مع الاتحاد السوفييتي، والتمهيد لطرده كلية من المنطقة من خلال تمكين إسرائيل من النصر. وكما خسرنا عشرات الآلاف من شبابنا العربي في سيناء والجولان والضفة في تلك المعارك المرتبة سلفاً في غفلة منا، ها نحن اليوم نخسر مئات المواطنين الأبرياء في المدن اللبنانية في قصف هجمي، لا يقيم وزناً لأي اعتبارات أخلاقية أو قانونية. في كل حسابات المعارك لابد من قبول الخسائر، لكن المهم هو أن تكون الخسائر جزءاً من فاتورة النصر. هنا فقط تقبل الأمم خسائرها كجزء من حسبة الانتصار وتحطيم مخططات الأعداء. لقد جرى حديث التحليلات غزيراً حول الدور الإيراني في عملية خطف الجنديين، وأثيرت حسبة تشير إلى أن العملية استهدفت بالإضافة إلى تحرير الأسرى اللبنانيين، تخفيف الضغوط على إيران حول الملف النووي في مؤتمر الدول الثماني الكبرى. قيل إن الرسالة الإيرانية إلى واشنطن بعملية خطف الجنديين، كانت التحذير من ممارسة الضغوط في الملف النووي بإظهار قدرة طهران على إثارة المشاكل لحليف واشنطن الإسرائيلي، كمقدمة لإثارة المشاكل الأمنية للقوات الأميركية نفسها في العراق· لو صحت هذه التحليلات -وهو أمر سيكشف عنه التاريخ- فهل افترضت طهران أن الطرفين الإسرائيلي والأميركي سيبتلعان الرسالة في صمت؟ وهل غفلت طهران عن دروس حرب يونيو 1967؟ السؤال الملح الآن: لماذا لا تتدخل إيران لنجدة لبنان، خاصة أن النظام العربي بقواه الرئيسية عاجز عن تقديم هذه النجدة؟ هل معنى عدم التدخل الإيراني أن إيران لم يكن لها دور ولا يعنيها مصير "حزب الله" مثل الآخرين؟