شكلت حملة "حزب الله" التي وضعت حدا لثماني عشرة سنة من الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان عام 2000 تمهيداً لنوع جديد من الحرب غير التقليدية التي تواجهها القوات الأميركية اليوم في العراق- والتي ستواجهها القوات الإسرائيلية إن هي قررت الدخول إلى لبنان بأعداد كبيرة. حيث شكل الانتحاريون، والكمائن، والمتفجرات التي تُزرع على جانب الطريق الأسلحة التي استعملتها هذه القوة، التي لا يُعرف عنها الكثير وتسمي نفسها المقاومة، من أجل طرد جيش تقليدي أقوى. ففي مقابلة نادرة أجريت معه قبل ست سنوات بعيد الانسحاب الإسرائيلي بوقت قصير، قال الشيخ نبيل قاووق، الذي كان يشغل وقتها منصب قائد "حزب الله" في الجنوب ومازال إلى اليوم، "لقد تمكنا عبر حصر إطلاق النار من الاحتفاظ بالأوراق في جيوبنا". وقال الشيخ أيضاً، وهو إمام شيعي يدعى أيضاً جنرالاً، حينها في مدينة صور اللبنانية "لقد كنا قادرين على خوض معارك صغيرة كان لنا فيها الغلبة". واليوم في وقت تدرس فيه إسرائيل إمكانية القيام بغزو بري آخر للبنان، تواجه فرق الاستطلاع الإسرائيلية الخاصة مقاومة شرسة، وتكتشف أن "حزب الله" أمضى جل السنوات الست الماضية في إنشاء شبكات من المخابئ تحت-أرضية المحصنة والأنفاق وتجميع آلاف القذائف. وإذا كان الفلسطينيون الذين تحاربهم إسرائيل في قطاع غزة لا يتوفرون سوى على أسلحة خفيفة وقذائف محلية الصنع، فإن "حزب الله" مجهز بأحدث أنواع الأسلحة من قبيل الصواريخ الموجهة بأشعة الليزر، ومعظمها وفرته له إيران. إلى ذلك، ابتكر "حزب الله" أثناء المعارك الأولى بجنوب لبنان طرقاً خاصة من قبيل القنابل التي تزرع على جانب الطريق والمكونة من صخور بلاستيكية مزيفة يمكن الحصول عليها من متاجر اللعب بالعاصمة بيروت مقابل 15 دولاراً. ومن أجل التشويش على أجهزة الاستشعار الإسرائيلية التي ترصد الحركات، يعمد رجال "حزب الله" إلى قيادة قطعان الماشية في المناطق التي تخضع للمراقبة عبر هذه الأجهزة. وخلال الحديث الصحفي، قال الشيخ نبيل قاووق إن القوات الإسرائيلية أمضت أشهرا في البحث عن دبابة سوفييتية كانت مخبأة في أحد الكهوف ولم تتم قيادتها أبدا، وهو ما حال دون إمكانية رصدها من قبل أجهزة الاستشعار الحراري الإسرائيلية، قبل أن يتمكنوا من العثور عليها أخيراً. ولعل نقطة التحول الكبيرة في هذا الصراع كانت الكمين الذي نصبه مقاتلو "حزب الله" في صيف 1997 لغارة شنتها قوات خاصة تابعة للبحرية الإسرائيلية– وهي واحدة من أكثر قوات إسرائيل صلابة- والذي أسفر عن مقتل نحو اثني عشر جندياً منهم. بعدها، كشف "حزب الله" أن له مخبراً مندساً في الجيش الإسرائيلي، ما أدى إلى ثني إسرائيل عن القيام بالمزيد من العمليات المضادة للتمرد. أما تأثير ذلك، فتمثل في دفع الإسرائيليين إلى مواقع محددة ومحصنة، متنازلين عن الأرض والمبادرة لصالح "حزب الله". وعلاوة على ذلك، قال الشيخ إنه ومقاتليه "كانوا دائما مستعدين للشهادة"، مضيفا "إن المقاومة كانت تركز دائماً على نقاط ضعف العدو"، محدداً نظرية وممارسة كلاسيكية لحرب العصابات. وقد سُئل الشيخ أثناء المقابلة حول ما إن كان يعرف الثوري الإيرلندي وأحد رواد حرب العصابات الحديثة "مايكل كولينز" الذي عاش أوائل القرن وشكل مصدر وحي وإلهام بالنسبة لـ "جبهة التحرير الوطني" الفيتنامية "الفيتكونغ"، أجاب قائلاً "عموما، نعم". جون كيفنار ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ محلل الشؤون العسكرية بصحيفة "نيويورك تايمز" ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"