في بيتها الواقع وسط بغداد، تبدو "نيران السامرائي" متوترة وقلقة على مصير زوجها الذي اختطف يوم السبت رفقة ثلاثين من زملائه من قاعة المؤتمرات بواحد من أكثر أجزاء بغداد حراسة أمنية. وفي حي الرصافة، قال أحد قادة الشرطة إنه وزملاءه يفكرون في تقديم استقالة جماعية تعبيراً منهم عن إحباطهم بسبب تشكك القوات الأميركية فيهم وأوامر من الساسة العراقيين بالإفراج عن مجرمين معروفين. في حي المنصور، الذي كان منطقة تسوق راقية في وقت من الأوقات، أغلقت نصف المتاجر هناك أبوابها. وفي "الكرادة"، الذي يعد واحداً من أحياء بغداد الآمنة، أغلقت متاجر عديدة أبوابها أيضاً. أما التجار الذين اختاروا فتح متاجرهم، فيشكون من أن تردي الأوضاع الأمنية يدفع الزبائن إلى الإحجام عن التسوق. في بغداد وجل مناطق وسط البلاد وجنوبها، يبدو إيقاع الحياة العادية والأنشطة التجارية متأثراً بشكل كبير، ما يؤشر على أن مخططات الولايات المتحدة والحكومة العراقية القاضية بإنشاء قوة أمنية فعالة تواجه مشاكل عدة. حيث تفيد بعض التقارير بحالات عدم تدخل الشرطة لمنع تعرض المدنيين للهجوم، وشهادات ناجين تفيد بمشاركة قوات الأمن الحكومية، المخترقة من قبل الميليشيات الطائفية، في أعمال قتل. وتقدر الأمم المتحدة أن نحو 14338 عراقيا قتلوا خلال الأشهر الستة الأولى من هذا العام؛ كما أن ثمة مؤشرات على ارتفاع أعمال العنف، حيث قتل أزيد من 3000 عراقي في شهر يونيو لوحده، معظمهم لقوا حتفهم بعد مقتل زعيم "القاعدة" في العراق أبو مصعب الزرقاوي في السابع من يونيو الماضي، والذي كان المسؤولون الأميركيون يأملون في أن يؤدي مقتله إلى تقلص أعمال العنف بالبلاد. وقد دفع تصاعد أعمال العنف رجل الدين الشيعي الأكبر آية الله علي السيستاني يوم الخميس إلى دعوة "أولئك الذين يحرصون على وحدة البلاد ومستقبلها إلى بذل قصارى جهودهم من أجل وقف إراقة الدماء". كما علق أعضاء مجلس الوقف الشيعي، الذي يشرف على المساجد الشيعية، أعمالهم لخمسة أيام تضامنا مع نظرائهم السُنة بعد أن تعرض 20 عضواً من الوقف السُني للاختطاف. غير أنه بالرغم من هذه الخطوات الرامية إلى الحفاظ على وحدة البلاد، فإن أعمال العنف استمرت بوتيرة مرتفعة عموماً. فقد أعلن مسؤولون عسكريون أميركيون الخميس الماضي أن أعمال العنف بالعاصمة قفزت خلال الأيام الخمسة المنصرمة من متوسط 24 هجوماً في اليوم إلى 34، وذلك بالرغم من المخطط الأمني الذي أعلن عنه الشهر الماضي بغير قليل من التطبيل والتزمير. وفي هذا السياق، قال المتحدث الأميركي الجنرال "ويليام كولدويل" في مؤتمر صحافي "لم نشهد الانخفاض في أعمال العنف الذي قد يحلم به المرء في عالم مثالي"؛ مضيفاً أن المخطط ليس سوى "بداية". ويقول أفراد الشرطة الذين جرى استجوابهم في العاصمة إنه من الخطير جداً مواجهة المتمردين والميليشيات المسلحة. ففي المحمودية الواقعة جنوب بغداد مثلاً، قُتل رجالٌ ونساء وأطفال في هجوم شنه متمردون مؤخراً، يقول شهودٌ جرى استجوابهم من قبل صحفيين عراقيين إن الشرطة المحلية لم تحرك ساكناً لوقفه. والواقع أن اختطاف زوج السيدة السامرائي ليس سوى مثال على حجم المشكلة. فقد كان زوجها أحمد الحجية، الذي يترأس اللجنة الأولمبية العراقية، يدير اجتماعا يوم السبت في قاعة مؤتمرات بأحد المراكز في حي "باب الشيخ" ببغداد. واللافت أن المركز يقع على بعد ربع ميل من "وحدة الجرائم الكبيرة"، ونصف ميل من ميدان التحرير، حيث جرى إسقاط تمثال صدام حسين بعد أن سيطرت القوات الأميركية على بغداد. كما أن المنطقة عادة ما تعج بأفراد الشرطة العراقية ومعروفة بنقاط التفتيش العسكرية. ومع ذلك، فقد قدمت في حوالي الساعة الثانية بعد الظهر من ذلك اليوم مجموعةٌ من 20 مسلحاً يرتدون زي الشرطة إلى مكان انعقاد الاجتماع على متن نحو 20 سيارة "تويوتا" بيضاء– من النوع الذي تستعمله قوات الشرطة. واجتاحوا القاعة بعد أن تغلبوا على الحراس القليلين، حسب إفادات الشهود. وقال أحد موظفي القاعة إن المهاجمين كانوا "هادئين جداً، ومحترفين جداً، وغير متوترين على الإطلاق"، مشيرا إلى أربع ثقوب في السقف جراء إطلاق نار في الهواء من أجل ضبط الرهائن. ويفيد هذا الموظف بالمركز رفقة شهود آخرين بأن المسلحين أمضوا نحو 30 دقيقة في فصل مسؤولي اللجنة الأولمبية والصحفيين عن موظفي القاعة، وربط أيديهم بقيود بلاستيكية ووضع عصابات على أعينهم، قبل أن يغادروا في حوالي الثالثة بعد الظهر رفقة 30 رهينة، من بينهم الحجية. وبعد هذا الهجوم، أطلق سراحُ 10 رهائن، في حين تم العثور على اثنين من الحراس مقتولين. وقد رفض الشهود التكهن بشأن ما إن كانت الشرطة أو متمردون في زي الشرطة هم المسؤولون عن الهجوم. حيث قال أحد الشهود "إن الإجابة على هذا النوع من الأسئلة الخطيرة للغاية"، غير أن بعض الأشخاص بدوا مقتنعين بأن الشرطة متورطة في الأمر. وحسب إفادة شرطي يعمل بـ"وحدة الجرائم الكبيرة"، فقد أغار جنود أميركيون وعراقيون السبت الماضي على مقر "الوحدة"، التي وصلوا إليها بعد أن خيم الظلام دون سابق إشعار، ففتح أفراد الشرطة هناك النار على الجنود، وتواصل تبادل إطلاق النار لبرهة، ما تسبب في جرح بعض المارة، قبل أن يعود النظام ويدخل الجنود الأميركيون إلى المبنى قائلين إنهم يبحثون عن "الحجية" وآخرين اختطفوا معه، غير أنهم لم يعثروا على أحد. وأضاف الشرطي قائلا "من الواضح أنهم تلقوا معلومة خاطئة، ولكنني غاضب جداً. لقد عملنا مع الأميركيين، وركبنا عدة أخطار، ولكنهم لم يستطيعوا معالجة هذه القضية بشكل مختلف". وتمثل هذه الغارة بالنسبة له القشة التي قصمت ظهر البعير. ذلك أن الوحدة ألقت خلال الأشهر الأخيرة القبض على عدد من الرجال الذين يعتقد أنهم يديرون فرق الموت الشيعية في المدينة. غير أن وزير الداخلية، الذي يشرف على الشرطة، أمر بإطلاق سراحهم. وتعليقاً على هذا الأمر، يقول الشرطي المذكور "إن الساسة والأميركيين يتدخلون كثيراً في عملنا، وهو ما يحول دون تأدية مهامنا على الوجه المطلوب"، مضيفا أنه وخمسة آخرين من أعضاء الوحدة يفكرون جدياً في الاستقالة من مهامهم قريباً. ــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"