مرة أخرى يعلو صراخ المجتمع الدولي مناشداً الأمم المتحدة بالتدخل ومعالجة الأوضاع في الشرق الأوسط. والأمر لا يختلف كثيراً عن المصفقين للتعددية الدولية بعدما تحولت الأمم المتحدة إلى ذلك "السوبرمان" الذي يُنادى عليه في أوقات الأزمات لإنقاذ الحضارة من الشرور والأخطار المحدقة بها. وبهذا المعنى تصبح الأمم المتحدة "أفيوناً مخدراً" للنخب كما كان "الدين أفيون الشعوب" على حد قول ماركس. ويستند هذا التقديس الخرافي للأمم المتحدة الى مزيج غريب من الوهم والواقعية السياسية. فبالنسبة لهؤلاء الذين يصفون أنفسهم بدعاة العالمية يفترض أن تشكل الأمم المتحدة قوة موازنة للهيمنة الأميركية الأحادية على العالم. وهو التوجه الذي ظهر تحديداً عقب انتهاء الحرب الباردة، حيث واجهت أميركا عالماً تنكر للجميل وبات يتوق إلى بروز قوة ما توازن الهيمنة الأميركية الأحادية على الكون. وبالطبع كانت الأمم المتحدة المرشح المفضل لشغل هذا المنصب والاضطلاع بهذا الدور. فكما كتب "شاشي ثارور"، مساعد الأمين العام للأمم المتحدة قبل عدة سنوات "ستصبح القوة الأميركية"- وليس الإيدز، والمجازر، أو الاحتباس الحراري "القضية المركزية في السياسة الدولية". بيد أن الذين يدافعون عن الدور المثالي للأمم المتحدة، لا ينظرون في الواقع إلى المنظمة الأممية إلا على أنها المكان المناسب للتخلص من المشاكل العالمية المستعصية والقذف بها إلى ملعب الأمم المتحدة. لذا فإذا سمعت أحد قادة الدول يستهل خطابه بعبارة "لا بد من التحرك المستعجل" فإن الجملة التي ستعقبها غالباً ما ستكون "ولا يوجد أفضل من الأمم المتحدة للتحرك في هذا الاتجاه". وكم كنت أود أن تتمكن الأمم المتحدة فعلاً من تقديم حلول ناجعة للمشاكل والقضايا الدولية الراهنة، لكن تاريخ الأمم المتحدة هو سلسلة متواصلة من الفشل والإخفاقات المتتالية. هذا الإخفاق الملازم للأمم المتحدة لا يبرز طبعاً في جهودها التي نعترف بها في مجال تلقيح الأطفال وإطعام الجوعى عبر العالم، بل يظهر الفشل بوجه خاص في تلك الميادين التي أنشئت الأمم المتحدة لإرسائها مثل الحفاظ على السلم والأمن الدوليين. وهنا تحديداً تظهر الأوهام في أجلى صورها، إذ ينقسم المتعلقون بالأمم المتحدة إما إلى أشخاص ذوي نيات حسنة، لكن تنقصهم الكفاءة، وإما إلى مجموعة من الفاسدين الذين لا يبحثون سوى عن مصالحهم الخاصة. وقد لا نتمكن من حصر قائمة الفشل لطولها بدءا من الدماء المسفوحة في الصومال ورواندا ومرورا بيوغوسلافيا وسيراليون وليس انتهاء بالعراق ودارفور التي كان يفترض أن تصبح نموذجاً رائداً لعمليات حفظ السلام الأممية. أما تيمور الشرقية فقد انحدرت إلى ما يشبه أستوديو لتصوير أفلام العنف في هوليوود بعد سبع سنوات من الإشراف الأممي. وبالإضافة إلى حفظ السلام والأمن الدوليين أنشئت الأمم المتحدة للدفاع عن حقوق الإنسان وفرض احترامها في مختلف أنحاء العالم. لكن كيف ترد الأمم المتحدة على تقارير المنظمات الدولية لحقوق الإنسان مثل منظمة العفو الدولية التي تتهم المفوضية الأممية بأنها الدرع الذي يوفر الحماية لمنتهكي تلك الحقوق وممارسي التعذيب عبر العالم؟ ففي كتاب من العيار الثقيل يوضح "جوشوا مورفيك" كيف أن أسوأ المنتهكين لحقوق الإنسان هم الأوفر حظاً في الانضمام إلى المفوضية الأممية لحقوق الإنسان بدل أن تقوم المفوضية بإدانة ممارساتهم. وبعد سنوات من المواقف الحرجة تم إلغاء المفوضية في شهر مارس الماضي واستبدلت بمجلس لحقوق الإنسان نأمل أن يكون مختلفاً عن الهيئة السابقة ويعمل على صيانة حقوق الإنسان. لكن الأمل قد يطول دون تحقيق شيء على أرض الواقع بعدما رأينا كيف طالب الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير بوقف إطلاق النار في لبنان ونشر قوات أممية لحفظ السلام على الحدود اللبنانية- الإسرائيلية. وللتذكير فقط ليست تلك القوة الأممية الوحيدة المتواجدة في المنطقة، إذ ترابط في جنوب لبنان قوة مراقبة تابعة للأمم المتحدة منذ 1978 لعبت دوراً سلبياً للغاية عندما صورت في 2000 عملية اختطاف قام بها عناصر من "حزب الله" لثلاثة جنود إسرائيليين وامتنعت عن الإفراج عن الشريط بدعوى التزامها بالحياد بين الطرفين. وبالرغم من التاريخ الأممي الحافل بالفشل في حفظ السلم والأمن الدوليين كما يعلنه ميثاقها، مازال هناك من يدفع في اتجاه نشر قوات أممية في جنوب لبنان لحفظ الاستقرار واستتباب الأمن، علما أن هذه الجهود لن يكتب لها النجاح بسبب المواجهة غير المتكافئة بين أصحاب القبعات الزرق وأصحاب العمائم من الجهاديين. إن أي قرار أممي مستعجل يفرض وقفاً لإطلاق النار سيكون كارثة محققة إذا سمح "لحزب الله" الخروج من المواجهة سليماًً ومعافى. ــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"