الديمقراطية هي ما تميز إسرائيل عن جيرانها العرب، هكذا يقول لنا الغرب الديمقراطي عندما نسأله عن تأييده المطلق لها على حساب العرب. هذا التأييد الذي تجاوز كل القواعد والقوانين والأعراف الدولية. هكذا بدأت لي الصورة كمراقب للأحداث الجارية في لبنان وفي قطاع غرة، فقد قال "أولمرت" في خطابه أمام الكنيست: "معظم المجتمع الدولي يؤيد عملياتنا العسكرية في لبنان، ولن نوقف هذه العمليات حتى يتم تنفيذ القرار الدولي 1559 وحتى ندمر البنية التحتية لحزب الله وحماس". لن أعلق على الموضوع من الناحية السياسية احتراماً لتخصصي، ولأن غيري من الكُتاب في هذه الصفحة قد قاموا بدورهم وقرأنا وجهة نظرهم. دعوني أبحر بكم إلى عالم النفس البشرية والفكر المرتبط بها، كي نتدارس انعكاسات هذه الأحداث علينا. العرب ينسون كما يعتقد العدو، فبالرغم من كل المجازر التي اقترفتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي داخل فلسطين أو خارجها، وبالذات في لبنان، فإن العرب عندهم البعد النفسي والفكري الذي يؤهلهم كي يفوزوا بأكبر جائزة للنسيان في العالم. هذا النسيان أو التناسي يجعلهم، وبعد فترة بسيطة من الزمن، يتسارعون لعناق العدو والاعتراف بكل حقوقه، ولو كانت هذه الحقوق هي سرقة واضحة لحقوق العرب في الأراضي المحتلة، ظنا منهم أن العدو لو أعطيناه القليل فسيعطينا الكثير، وهذه مسألة يكذبها الواقع الذي تعيشه المنطقة من أكثر من خمسين عاماً. هذا الخصم لا يريدنا إلا مجردين من كل شيء وربما حتى ملابسنا الداخلية. منْ لا يصدق هذا الحديث النفسي عليه إجراء حصر سريع لقرارات الأمم المتحدة في شأن إسرائيل والتي تنفذ منها ما تريد وهو القليل وفي مقابل ذلك فهي تقول إنها ستستمر في قتل العرب في فلسطين ولبنان حتى يتم تنفيذ القرار رقم 1559. البعد الثاني للعلاقات العربية- الإسرائيلية، هو البعد الفكري، فالإسرائيليون يحاربون بفكر وهوية وعقيدة واحدة، محورها "الكتاب المقدس" الذي يؤمن بفحواه الكثير من الساسة في الغرب، وهذا هو سر تأييدهم المطلق لهم وليس كما يغلفون هذا التأييد بادعائهم أن الفرق يكمن في ديمقراطية اليهود ودكتاتوريات العرب، وهذا الفكر متأصل في إسرائيل وقراءة متأنية لمناهجهم التعليمية وبرامجهم الفكرية تؤيد هذا الأمر. وفي المقابل فإن العرب لا يعرفون بعداً فكرياً واحداً يجمعهم، فقد تشرذموا عبر التاريخ إلى أفكار ومبادىء أبعدتهم كثيراً عن هويتهم، فمرة تراهم شيوعيين أكثر من أهل موسكو كلهم، أو هم رأسماليون أبعد بكثير مما يريده البيت الأبيض، وعندما أرادوا العودة إلى هويتهم تفرقوا لأكثر من سبعين فرقة تكفر بعضها الآخر، وتتحالف بعضها مع العدو على حساب الصديق. وعندها نتساءل لمَ هذا الضعف الذي نراه في اجتماعات العرب فهم يمثلون الغير أكثر من تمثيلهم لأنفسهم وانتماءاتهم، فمشكلتنا في انطلاقاتنا الفكرية قبل مواقفنا السياسية، وعندما يجتمع العرب على بعض هذه القيم، فإنهم بكل تأكيد أقوى من غيرهم؛ فهم يمتلكون كل مقومات القوة عدا المبدأ. دعونا نتعلم من الاتحاد الأوروبي فبالرغم من أن تاريخهم القريب يؤكد الصراعات والاختلافات التي كانت بينهم، تراضى العقلاء بينهم على بعض القيم التي توحدهم مما يرشحهم اليوم لقيادة البشرية بعد أفول النجم الأميركي، فهل يعي العرب الدرس؟ المحور الأخير في نفسيتنا كعرب هو مسألة إلقاء اللوم على الغير وانتظار العون من الآخر، فما أسهل توجيه التهم عندنا للعدو ومن يؤيده ونتناسى أن النصر كما أنه بحاجة إلى البحث في فكر الآخر إلا أنه بحاجة ماسة لتغيير في الداخل فأين هي مشاريع التنمية العربية؟ لقد نجحت بعض الدول العربية في أن تخرج من دائرة الدول النامية، إلا أن جل العرب مازالوا في تلك الدائرة. دعونا ننظر في الداخل فهي نقطة الإصلاح والتطور الفعلي في مواجهة العدو.