يقوم مراسلو الحروب بأدوار مهمة جداً، فلولا أخبار الحروب، لما علم العالم ما جرى ومن المنتصر والمهزوم، ولكن مهنتهم تعتبر من أخطر المهن، عشرات من المراسلين والصحفيين قضوا في المعارك في أفغانستان والعراق وفلسطين وغيرها، وتم استهداف بعضهم من قبل أطراف الصراع، بل واختطاف بعضهم وتعرضهم للتعذيب ثم القتل. وكانت مهنة مراسلي الحروب شبه محتكرة على الرجال فقط، إلى أن ظهرت أسماء مثل كيت إيدي مراسلة البي بي سي البريطانية الشهيرة التي أطلق عليها بعض المراقبين "الآنسة حرب"، وذلك لارتباط تقاريرها بساحات القتال، ولجرأتها المهنية في التواجد على جبهات القتال في أكثر مناطق العالم سخونة، وقد كان وجهها ينم عن الصرامة والقوة والثقة بالنفس، وغالبا ما كانت تنقل صوراً موضوعية لما يجري، وتأتي بأخبار الحروب "لمن لم تزود"، وتزوجت من مهنتها وأعطتها كل وقتها وجهدها. والأيقونة الثانية لمراسلات الحروب هي كريستيان أمانبور التي نصفها إيراني ونصفها الآخر بريطاني، وقد تنقلت بين "البي بي سي" و"السي إن إن"، واشتهرت بتغطيتها للحروب، ومقابلاتها مع قادة الدول، وقدرتها على الحوار المحرج والتحضير والإعداد الممتاز لما تقوم به من عمل إعلامي جبار. وكان يمكن لهذا العالم الجديد من مراسلات الحروب أن يبقى محتكراً على نساء الغرب ووسائل الإعلام الغربية الشهيرة، إلى أن ظهرت مفخرة إعلامية عربية اسمها نجوى قاسم، وقد كانت بداية معرفة المشاهد العربي لنجوى قاسم عبر قناة "المستقبل" اللبنانية مذيعة ممتازة للأخبار، إلى أن انتقلت لقناة "العربية"، كانت "العربية" في بداياتها حين اندلعت حرب إسقاط صدام حسين عام 2003، وكانت نجوى قاسم أول مراسلة عربية للحروب والمرأة العربية الوحدية المراسلة لقناة عربية في بغداد حين كانت ضربات رامسفيلد على بغداد التي أسماها "الصدمة والذهول" تتوالى على بغداد حتى سقطت خلال أقل من شهر وهرب قائدها "المغوار" صدام حسين. كانت نجوى قاسم ترسل التقرير الحي تلو التقرير، والطيران يحلق من فوقها، والصواريخ والقنابل تتناثر من حولها وهي رابطة الجأش لا تهتز باهتزاز الأرض، يدفعها للصمود الالتزام بمهنتها والاستمرار ببث الحقيقة من موقع الحدث الدامي. وإلى بيروت انتقلت نجوى من مقر محطة "العربية" في دبي بعد العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان، ومن بيروت ومن نفس الشوارع التي تعرفها شارعاً شارعاً وحارةً حارةً، تطل علينا نجوى عبر شاشة "العربية" بكل الثقة بقدرتها على أداء مهمتها، وبكل الألم في عيونها على ما يجري من تقطيع لأوصال بلادها الجميلة أمام مرأى ومسمع كاميرتها، وعبر تقرير مليء بالحسرة والأسى في نبرات صوتها. نجوى قاسم تفوقت على كيت إيدي وكريستيان أمانبور، فهاتان المرأتان أتتا من بلاد تنعم بالسلام والديمقراطية والأمن، ولكن نجوى ترعرعت بين القصف "والتقويص"، فكأنها في تقاريرها تنقل مشهد الحياة من حولها، في حين أن كيت وكريستيان تنقلان أحداثا بعيدة عن موطنهما، كانت نجوى طفلة صغيرة حين اندلعت الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975، وتطوعت في الدفاع المدني يوم اجتاحت إسرائيل لبنان عام 1982م، تجيد ثلاث لغات، وتعبد العمل والحقيقة، وتساهم في خلق ثقافة جديدة للموضوعية والصدقية. قدمت نجوى- ولا تزال- صورة شجاعة للمرأة الإعلامية العربية، وموقفاً مهنياً للكثير من مراسلي الحروب الذين يعج بهم الفضاء هذه الأيام، ودروساً كثيرة في الموضوعية ومحاولة الدقة. أتابع تقارير شجاعة ومهنية لمراسلة "العربية" ريما مكتبي من بيروت ومراسلة "الجزيرة"- كاتيا ناصر- من الجنوب اللبناني المنكوب، وأدعو الله ألا يتمرسا في رسائل الحروب، لأني ببساطة أكره الحروب واستمرار العدوان. د. سعد بن طفلة العجمي