يعود تاريخ الأسلحة النووية في جنوب آسيا إلى وقت أبعد كثيراً من المخاوف التي أثيرت حول مشروع "القنبلة الإسلامية" الباكستاني في ثمانينيات القرن العشرين. فالزعيم الهندي جواهر لال نهرو، على الرغم من ميوله السلمية المعروفة، لم يوصد الباب كلياً دون برنامج مستقبلي للأسلحة النووية في بلاده. إلا أن النقاش حول تحول جنوب شرق آسيا الى قوى نووية، إنما تبلور عقب امتلاك الهند وباكستان كلتيهما للأسلحة النووية، وعلى هذه الخلفية يناقش كريس سميث في كتابه "النووية في جنوب آسيا"، قضايا رئيسية تشمل تاريخ التسلح النووي في جنوب آسيا، وتجارب الأسلحة التي تمت في مايو 1998، ونظم تخزين الأسلحة وإطلاقها لدى كل من الهند وباكستان، والمذاهب النووية الآخذة في الظهور، والاستقرار النووي، وخطر الحرب النووية، ومستقبل جنوب آسيا النووي. وفي تعقبه للمراحل الأولى في مسار التسلح النووي بالمنطقة، يذكر المؤلف أن الحرب الصينية- الهندية في عام 1962 هي التي عززت دعوات الصقور في أوساط البيروقراطية العلمية الهندية، وجاءت لصالح إقامة برنامج نووي هندي سري. وهكذا ما أن جاء مايو 1974 حتى أجرت الهند أولى تجاربها النووية في "بخران"، مما نبه المجتمع الدولي إلى إمكانية نشوء خطر كبير على نظام حظر انتشار الأسلحة النووية في شبه القارة الهندية. وبدءا من تلك اللحظة أصبح سباق الأسلحة النووية في جنوب آسيا حقيقة ماثلة واتخذ أبعاداً جدية. إلا أن الهند ظلت على عتبة التسلح النووي خلال العقد التالي، وكان يشار إلى موقفها باسم "الردع المخفي"؛ حيث صار بإمكانها تجنب التجريم الدولي بتهمة التسلح النووي، والإبقاء على "مرتبتها الأخلاقية العالية"، وفي الوقت ذاته أن تعارض معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية. أما عن باكستان التي افتقرت دائماً إلى القاعدة العلمية التقنية التي دأبت الهند على تطويرها طوال نصف قرن الماضي، وافتقرت جزئياً إلى الموارد، فستحتاج إلى "الاستيراد غير القانوني" لمكونات التقنية التي يتطلبها برنامجها النووي، وهو برنامج ووجه برفض قوي من جانب المجتمع الدولي. وبعدما وقفت الهند وراء انفصال بنغلاديش عام 1971، أصبح صانعو القرار في باكستان، وبخاصة ذو الفقار علي بوتو، يركزون على المخاوف الوطنية إزاء جارتهم الكبرى، وعلى احتمال أن لا يكون التقسيم الإضافي لشبه القارة الهندية قد انتهى مع إقامة دولة بنغلاديش، مما دفع بباكستان إلى تسريع خطوتها نحو إقامة برنامج نووي. إلى ذلك يقول المؤلف إن "واقع الحال تمثل دائماً في أن باكستان سوف تبذل قصارى جهدها للمحافظة على شبه ندية مع جارتها؛ خشية أن يؤدي مثل هذا الضعف إلى تآكل مطالبتها بتسوية قضية كشمير عبر التفاوض الثنائي". وفي مايو 1998 أجرت الهند جولة ثانية من التجارب النووية في "بخران"، وبعد أسبوعين فقط أجرت باكستان سلسلتها الخاصة من التجارب النووية، مما أحدث صدمة سياسية واستراتيجية انتقلت هزاتها عبر المجتمع الدولي. ويعتقد المؤلف أنه بالنسبة للهند أعطت تلك التجارب إشارة أخرى إلى أن زمن "الأمة الهندية" قد حل أخيراً، إذ بدأت توجه منذ ذلك الوقت لكمات تفوق وزنها الحقيقي، بما يعكسه من مؤشرات سلبية كالفقر والبطالة والتلوث. أما بالنسبة للباكستانيين فقد كانت للتجارب النووية دلالة على أن الحكومة لم تعد تخشى مواجهة الرأي العالم الدولي، وفي مقدمته الولايات المتحدة الأميركية، إذ محت إلى حد ما إحساس الباكستانيين بالعجز وخيبة الأمل، بعدما تراخت علاقة واشنطن بإسلام أباد عقب انسحاب الاتحاد السوفييتي من أفغانستان. ويقدم المؤلف تفاصيل كثيرة حول نظم تخزين الأسلحة وإطلاقها، قائلاً إنه لأسباب واضحة لم توفر قط أي من الهند أو باكستان معلومات نهائية تتعلق بقدراتهما النووية الخاصة، لكنه يعتقد أن الهند ربما كانت قد أنتجت من التجارب التي أجرتها في مايو 1974 ومايو 1998، جيلاً من القنابل النووية الحرة الإسقاط لها قوة تبلغ 20 كيلو/طن، يمكن إلقاؤها من طائرات ميج 27، وجاغوار، وميراج 2000، وهي إلى ذلك تقوم الآن بتطوير الجيل الثاني من الرؤوس الحربية النووية الهندية، كي يتواءم مع الصواريخ البالستية من طراز "بريثفي" و"دهانوش" و"أجني". وفيما يركز برنامج الصواريخ البالستية الهندي بشكل رئيسي على الخطر القادم من الصين، فإن نشره إلى ما هو أبعد من مدى الصواريخ أو الطائرات الباكستانية، يعد وسيلة إضافية لأمن الهند. وهنا يقدر المؤلف بأن الهند تمتلك أكثر من 200 صاروخ، إضافة إلى صواريخ "بريثفي" التي يبلغ مداها 250 كيلومتراً، كما أن لديها ما بين 50 و150 رأساً حربياً نووياً. لكن ما هي القيم الأساسية للتوجهات النووية في جنوب آسيا؟ يوضح المؤلف أنه بعد أن أظهرت الهند قدراتها النووية أول مرة عام 1974، من خلال تجربتها النووية السلمية في "بخران"، برز افتقار ملحوظ إلى مبادئ نووية في حال اتخاذ الهند قراراً باقتناء أسلحة نووية. وفي أعقاب تجارب عام 1998، وجه الهنود جهوداً كبيرة نحو صياغة مبادئ نووية، وأعلنت اللجنة الوزارية للأمن القومي في يناير 2003 عدداً من الترتيبات الإجرائية الخاصة بالسيطرة على الأصول النووية الهندية والتحكم فيها، بما في ذلك بناء حد أدنى من الردع، وعدم المبادرة إلى شن "الضربة الأولى"، وأن يكون الرد على الضربة الأولى هائلاً... لكن في مقابل ذلك يرى المؤلف أنه بالنسبة لباكستان، تكاد لا توجد مبادئ نووية تقريباً، وإن كانت ثمة استراتيجية تركز على مجابهة التهديد الهندي لوجود باكستان كدولة وطنية. لكن مع ذلك لا بد من التأكيد على وجود استراتيجيتين متقابلتين، جعلتا خطر الحرب النووية في جنوب آسياً ملموساً لأول مرة منذ عام 1990، انطلاقاً من المستوى المتنامي للتوتر في كشمير باعتبارها القضية الرئيسية في العلاقات المعقدة بين باكستان والهند! محمد ولد المنى الكتاب: الأسلحة النووية في جنوب آسيا المؤلف: كريس سميث الناشر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية تاريخ النشر: 2006