الرؤية الأميركية للحرب الصهيونية المدمرة على لبنان هي جزء من المنظور الأميركي المهووس بالحرب على الإرهاب، وهي جزء أو فصل من فصول الحرب التي تعرفها واشنطن بأنها "الحرب العالمية على الإرهاب". لهذا السبب لا يستغرب أحد، ليس فقط الصمت الأميركي المطبق، بل الحماس الذي تبديه إدارة بوش، أكثر من جنرالات إسرائيل، لتلك الحملة المسعورة رداً على عملية "الوعد الصادق" التي نفذها "حزب الله". تلك الهجمة الصهيونية التي تدمر البشر والحجر والتي سقط خلال أسبوعها الأول نحو 1000 شخص بين شهيد وجريح، إضافة إلى مليون مشرد ونازح داخل بلدهم الذي يدمر فوق رؤوسهم في مجازر متنقلة تعيث في الأرض فساداً. لقد بلغ التخاذل الدولي درجة التواطؤ من مجلس الأمن المختطف والمرتهن لإرادة الكبار، وارتبطت نهاية العدوان بزيارات المبعوثين الدوليين ولقاءات العرب الباهتة التي لا تقدم ولا تؤخر. واتخذ القرار على أعلى المستويات بتدمير "حزب الله" من الجو، دون خوض حرب برية، وذلك لكسر ذراع سوريا وإيران الذي يقاتل حرباً بالوكالة ضد إسرائيل وعلى تخوم بيروت وضد أميركا، لإفشال المشروع الأميركي في المنطقة. إنها الحرب المفتوحة ضد محور الشر الأقليمي الجديد، إيران وسوريا و"حزب الله" و"حماس"، من قبل قوى الخير بقيادة أميريكا وحلفائها الأوروبيين ووكيلتهم إسرائيل، لتحقيق الأهداف المطلوبة ولو كان الضحايا مدنيين؛ فإسرائيل تحارب أشباحاً هم قادة "حزب الله" ومقاتلوه، في حرب لا ينتصر بها الجيش النظامي بسهولة وبسرعة ضد منظمات وميليشيات مسلحة. أعطي الضوء الأخضر لإسرائيل، أميركيا وبريطانيا، عبر إفشال المساعي الدولية والعربية في مجلس الأمن واجتماع الدول الثماني الكبرى والجامعة العربية، وذلك لأسبوع آخر سيكون الأكثر دماراً وفتكاً لتدمير قدرات "حزب الله" ولتأليب اللبنانيين ضده، خاصة بعد أن استهدف العمق الإسرائيلي وقصف حيفا، في محاولة لإعادة رسم خريطة القوى والتوازنات في المنطقة! أما أميركيا، فيرتكز الدعم على بعدين؛ أولهما يتمثل في الحرب على الإرهاب الذي يمثله لبنانياً "حزب الله"، وثانيهما إضعاف النفوذ الإيراني والسوري في لبنان، لحرق إحدى أوراق القوة التي تملكها طهران وهي تخوض مواجهة مع واشنطن حول البرنامج النووي للأولى. أما عربياً فالانقسام والتباين باتا واضحين للجميع. فمثل العين المفتوحة أمام المخرز الحاد، باتت المنطقة بأسرها على حافة الكارثة؛ قوس العنف والموت يتوسع من العراق إلى بيروت، ومن غزة إلى ما بعد بعد حيفا... عربياً؛ التباين بين قوى "المغامرة" التي تجر المنطقة للمجهول وقوى الاعتدال التي تسعى لعقلنة المواقف والابتعاد عن المغامرات غير المحسوبة والتي تهدد الأمن القومي العربي ككل، مع عدم إغفال التنديد بالعدوان الإسرائيلي السافر والدعوة لوقفه فوراً عبر التمني والطلب من الدول الفاعلة بممارسة أدوارها. إنه الخلل العربي المزمن في موازين القوى الذي ما فتئ قائما منذ ستين عاماً لصالح الأطراف غير العربية في المنطقة؛ بدءا بإسرائيل وانتهاء بإيران وتركيا. يضاف لذلك في وضع إسرائيل الإنحياز الأميركي والغربي الذي زاد ذلك الميزان ميلاً أكثر للإسرائيليين. فيما نبقى نحن كعرب متفرجين متحسرين وعاجزين، بينما يتم تدمير لبنان في حرب متلفزة للعالم بأسره ليرى ويصمت ويمنح القاتل الرخصة والغطاء ليمارس ساديته وعربدته وأسلحته الأميركية الجديدة والمحرمة دولياً. لابد ان يستفيق المجتمع الدولي وعلى رأسه جورج بوش ويتوقف عن لغة ودبلوماسية الكاوبوي التي اعلنت مجلة التايمز في عددها قبل الاخير بنهاية تلك الدبلوماسية، على اميركا والدول الفاعلة في النظام العالمي ان تمارس دورها الاخلاقي والقانوني والسياسي اليوم والآن وليس غدا للجم هذا الثور الهائج المميت الذي اطلقت له العنان ليقتل ويدمر. لبنان ضحية اليوم كما كان على الدوام، سياسة واستراتيجية توازن الرعب مكلفة ولها أثمانها. نريد من رايس الحضور، نريد وقفا لاطلاق النار كما قالوا في القرار الصادر ضد كوريا الشمالية قبل أيام بالاجماع في إدانة إطلاقها الصواريخ وقفا فوريا وكاملا وغير مشروط، نريد أن نسمع هذه الجملة تجاه اسرائيل وعاجلا وليس آجلا. ولتحافظ أميركيا على التزاماتها الأخلاقية والقانونية.