لا يمثل زحف المساحات الصحراوية، وازدياد كمية الغازات المنبعثة من السيارات، وعمليات إحراق الفحم المكثفة في الصين تهديداً على صحة الصينيين وعافيتهم فحسب، وإنما كذلك -وهذا ما لا يتبادر سريعاً إلى الذهن- على صحة الأميركيين أيضاً. ذلك أن ما لا يقل عن ثلث حجم التلوث المتعلق بالهباء الجوي أو الملوثات العالقة في الهواء (والمقصود بها الدخان وجزيئات الغبار وغيرها من الملوثات) الموجودة في ولاية كاليفورنيا اليوم، قادمة من القارة الآسيوية عبر المحيط الهادئ. والواقع أن هذه النسبة في ارتفاع متواصل. لقد جمعت وحللت عينات هوائية مأخوذة من أربعة مواقع من "سيرا نيفادا" و"كاسكاد مونتينز"، وقمت بواسطة أجهزتي المخبرية برصد دقيق لهذه الظاهرة. أما النتيجة التي توصلت إليها، فتتمثل في أنه من أصل متوسط حجم التلوث المرتبط بالهباء الجوي في كاليفورنيا – 12 ميكروغرام للمتر المكعب من الهواء- فإن كمية التلوث الآسيوي فيه تراوحت ما بين 4 و6 ميكروغرام في هذه المواقع الجبلية. وهو الأمر الذي يدفعني إلى القول إن نهضة الصين الاقتصادية، إضافة إلى النمو السكاني المضطرد في غرب الولايات المتحدة، سيدفعان بمستويات التلوث إلى تجاوز معايير جودة الهواء المعتمدة في كاليفورنيا والولايات المتحدة عامةً. واليوم نعلم أن البحار والمحيطات لا تشكل حاجزاً أمام انتقال الظروف والملوثات الجوية من مكان إلى آخر، ذلك أن التلوث الذي لا يتبدد بسرعة يتم حمله بواسطة الرياح الغربية القوية، قاطعاً المحيط الهادئ في ظرف زمني لا يتجاوز الأسبوع. ففي فصل الربيع، والذي يعد موسماً جافاً، على سبيل المثال، يمكن لعاصفة غبار في صحراء "غوبي" في أقاصي الصين ومنغوليا، إرسال سحابة ضخمة إلى سماء الولايات المتحدة في زمن يتراوح بين ثلاثة وخمسة أيام، ويمكن لهذه السحابة أن تنتقل بعد ذلك إلى غرينلاند وأوروبا بعد أن تعلق بها عناصر تلوث من أميركا الشمالية. ولعل الحدث الذي حظي بأكبر عملية توثيق حتى الآن هو ذاك الذي حدث في عام 2001 وتم رصده عن طريق الأقمار الاصطناعية، حيث لاحظ الناس في الغرب وجود سماء ضبابية متسائلين عن مكان اندلاع "الحريق". كما رصدت الأقمار الاصطناعية في أوائل شهر أبريل المنصرم سحابة كبيرة من الكربون منبعثة من دخان إحراق الفحم في الصين وهي تجتاز المحيط الهادي. وتأسياً بما سبق، فيمكن القول إن جودة الهواء في النصف الشمالي من الكرة الأرضية لم تعد مسألة سيادة، وإنما باتت خاضعة لتأثير تضافر التلوث المحلي والإقليمي المحمول. ونعلم علم اليقين أن استنشاق الجزيئات الصغيرة المنبعثة من كربون الاحتراق أمر مضر بصحة البشر. وبتنا نعلم اليوم كذلك أن هذه الجزيئات يمكنها أن تؤثر على المناخ، هذا في وقت يتحدث فيه العلماء عن التأثيرات، الإيجابية منها والسلبية، المباشرة وغير المباشرة. لكن المؤكد هو أننا نعلم أن ثاني أوكسيد الكربون يمتص الإشعاع الشمسي، حيث يقوم بلعب دور غطاء، مما يؤدي إلى ظاهرة الاحتباس الحراري. غير أن الهباء الجوي ليس "نوعاً منفرداً" مثل ثاني أوكسيد الكربون، وإنما له تركيبات وأحجام ونسب تركز مختلفة. فالكبريتات، على سبيل المثال، وخلافاً لثاني أوكسيد الكربون، تعكس ضوء الشمس وبالتالي تقلل من احترار كوكب الأرض. ومن بين تأثيرات تلوث الهواء غير المباشرة، يمكن أن نذكر تأثيراته على تكوين السحب والأمطار. ذلك أنه في حال وجود كمية كبيرة من الجزيئات الدقيقة الناتجة عن الاحتراق عالي الحرارة، مثل احتراق الفحم، فإن قطرات الماء التي تتشكل لا تتماسك على نحو جيد، وبالتالي لا تنتج عنها أمطار. من جهة أخرى، تساهم بعض جزيئات "الهباء الجوي" في جعل السحب أكثر إشراقاً. ولما كانت السحب الأكثر إشراقاً تعكس ضوء الشمس، فإن الجزيئات السوداء الملوثة التي تسقط على الثلج يمكنها أيضاً أن تتسبب في ذوبان كتل الثلوج على الجبال بسرعة أكبر، وذلك جراء امتصاصها ضوء الشمس. وهو ما يساهم في تقلص المخزون المائي. والواقع أنه بالرغم من القلق الحالي بسبب إمكانية نضوب احتياطيات النفط، فإن الماء في نهاية المطاف هو كل شيء. والحقيقة أنه مازال أمامنا الكثير مما ينبغي علينا تعلمه حول دينامية الجو التي تؤدي إلى نقل الجزيئات الملوثة في الهواء عبر البحار والمحيطات، كما علينا أن نتعلم المزيد حول تأثيراتها على التغير المناخي. غير أن ما نعلمه علم اليقين هو أن المشاكل البيئية التي لها علاقة بانتقال الصين السريع إلى التنمية يؤثر علينا جميعاً. وبالتالي فإن توثيق التعاون البيئي بين الدول، هو الضمان الوحيد الذي سيسمح لنا بالتغلب على كل من مشكلة تلوث الجزيئات وانبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون. ومن حسن الحظ، أنه يمكن للعمل المشترك حول منع تلوث الجزيئات، أن يساهم في تحقيق تحسن سريع في جودة الهواء، لأن هذه الجزيئات تندثر بسرعة، خلافاً لثاني أوكسيد الكربون الذي يمكن أن يظل عالقاً في الجو لعشرات السنين أو العقود. والحقيقة المؤكدة أن وقت هذا العمل المشترك قد حان أوانه الآن. ستيفان سي. كليف ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ متخصص في علوم المناخ بجامعة كاليفورنيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة "تريبيون ميديا سيرفيس"