أصبح من المؤكد أن استراتيجية تمزيق الوطن العربي وإعادة تشكيل خارطته من جديد، وفق قواعد اللعبة السياسية والمخطط الاستعماري الغربي الذي تحدثت عنه العديد من الوثائق والتقارير طوال السنوات الماضية، يجري تحريكه الآن في المنطقة بصورة جدّ خطيرة. احتلال العراق، وما يجري في فلسطين، والعدوان الجهنمي على لبنان، وتهديد سوريا... كلها دلائل على أن هذا المخطط بدأ يتحرك بصورة دقيقة نحو الهدف المراد له. إسرائيل لم تتحرك بهذا المستوى من العنف والعدوانية الفاشية بسبب 3 جنود تم أسرهم في فلسطين ولبنان، لأن هذا الأمر كان يقع مثله طوال العشرين عاماً الماضية، سواء في فلسطين أو لبنان، وكان التفاوض هو الحل في أعوام 1988 و1989 و1992 و1993 و1994، حيث خطفت المقاومة الفلسطينية العديد من الجنود الإسرائيليين، وهذا ما حدث أيضاً على يد المقاومة اللبنانية في جنوب لبنان. إسرائيل لم تتحرك في عدوانها الحالي المدعوم من أميركا والغرب، في إطار المخطط الصهيوني الذي يهدف إلى تفتيت الأمة العربية وبث روح الفرقة فيها وإخماد روح المقاومة والتحرير، بحيث لا يبقى لهذه الأمة سلاح تدافع به عن نفسها ضد الأعداء، وأن لا يورث مثل هذا السلاح للأجيال القادمة، وهذا ما يحدث الآن ويبدو واضحاً من خلال: 1- الدعوة الى تجريد حركات المقاومة من السلاح. 2- فشل العرب في اتخاذ قرار موحد ضد إسرائيل، خاصة في اجتماعهم الأخير. 3- خطاب الاتهام المتبادل بين العرب بعضهم ضد البعض. 4- ظهور فئة من المثقفين العرب تدافع عن حق إسرائيل وتبرر ما تفعله في فلسطين ولبنان. 5- ظهور فئة من العرب تريد التنازل لإسرائيل بصورة مجحفة ومسيئة. لقد اتفق معظم الباحثين الغربيين المنصفين، على أن ما يجري في العراق وفلسطين ولبنان هو جزء من مخطط إعادة تشكيل العالم العربي حسب إرادة إسرائيل، لتمكينها من الهيمنة بصورة مباشرة على المنطقة العربية في السنوات القادمة. واليمين الصهيوني المتطرف الذي أصبح القوة الفاعلة في دوائر صنع السياسة الأميركية والقرار الأميركي، هو الذي حرض الرئيس جورج بوش على غزو العراق. ويكفي أن نشير إلى رسالة كتبها إليه ريتشارد بيرل وشخصيات أخرى نافذة ، تضمنت دعوة جادة إلى حرب شاملة ضد العراق وسوريا وفلسطين، وإلى ما أوردته صحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية في فبراير 2002 من أن أرييل شارون كان يحث الولايات المتحدة على غزو العراق، وعلى التحرك مباشرة بعد ذلك ضد لبنان وسوريا وليبيا، وكان صريحاً إلى أبعد الحدود في التعبير عن أهداف الكيان الصهيوني بخصوص الهيمنة على المنطقة، عندما قال لوفد الكونجرس الذي كان يزور إسرائيل: إن العمليات الأميركية ضد العراق هي أمر في غاية الأهمية للانطلاق إلى تلك الدول. وفي مجلة "كومنتري"، عدد سبتمبر 2002، كتب نورمان بود. هيرتز، أحد مؤسسي شبكة "المحافظين الجدد" في الإدارة الأميركية يقول: "إن الهدف النهائي لسياسة بوش إذا تم تنفيذها كاملة، سيتضمن مستوى عالياً من إخضاع وإذلال العالم العربي الذي نعرفه اليوم". وقد لخص الكاتب اليهودي جوكلارين في مجلة "التايمز" الهدف الإسرائيلي من التدمير الذي يمارس في لبنان وفلسطين منذ مدة طويلة، عندما قال: "إن تدمير العراق سيغير من أسس معادلة القوى في المنطقة ويرسل رسالة واضحة إلى سوريا وإيران حول موضوع دعم حركات المقاومة الإسلامية، ورسالة إلى الفلسطينيين: طبقوا الديمقراطية وادخلوا في سلام وفق شروط إسرائيل وإلا فلا تحلموا بدولة لكم". أما الباحث الإسرائيلي شاهاك فكشف في كتابه "أسرار مكشوفة" عن سياسة إسرائيل الخطيرة على السلام العالمي، والتي تتميز بكونها عبارة عن أوامر واملاءات مجموعة من المتطرفين الأصوليين المتدينين الذين يسيطرون على الأجهزة العسكرية والاستخبارية في البلاد، فيقول إن "هذه السياسة الامبريالية تريد السيطرة على منطقة الشرق الأوسط بشكل يمثل خطراً كبيراً على السلام العالمي". وهكذا فالعدوان الصهيوني الخطير الذي تتعرض له اليوم الأرض والشعب العربيان في كل من لبنان وفلسطين، إنما يأتي ضمن هذه السياسة التي تهدف إلى الهيمنة على المنطقة، ضمن مخطط إسرائيلي لتحقيق حلم "إسرائيل الكبرى"، فهل ينتبه العرب؟