أثار قرار "حزب الله" و"حركة المقاومة الإسلامية" (حماس) بجر العالم العربي بأكمله إلى حربهما الخاصة مع إسرائيل، خلال الأسبوعين الأخيرين، احتجاجات في أوساط الرأي العام العربي لم تكن تخطر على بال أي من المنظمتين. فقد رفضت كل من المملكة العربية السعودية ومصر والأردن والبحرين، بصراحة غير معهودة، ما وصفوها بـ"المغامرة" أحادية الجانب، قائلين لكلتا المنظمتين إنهما لوحدهما في مواجهة إسرائيل ووحدهما أيضاً من تتحملان مسؤولية عواقب ذلك الفعل. وربما كان الأهم من ذلك كله أن مؤشرات عدة بدأت تطفو الآن على السطح، وتفيد بأن الأغلبية الصامتة من الشعب العربي قد ضاقت ذرعاً بأن يتم اختطاف قضيتها من قبل بعض المتطرفين ودعاة الحرب في أوساطها. وقد كانت جامعة الدول العربية صريحة جداً هي كذلك، ففي اجتماع وزراء خارجية الدول العربية الاثنتين والعشرين، والذي عقد يوم السبت الماضي في القاهرة، أعلن الوزراء تأكيدهم على "المساندة الكاملة للحكومة اللبنانية في تصميمها على ممارسة مسؤولياتها في حماية لبنان واللبنانيين والمحافظة على أمنهم وسلامتهم، وتأكيد حقها وواجبها في بسط سلطتها على كامل أراضيها وممارسة سيادتها في الداخل والخارج"، وذلك في إشارة إلى ضرورة إنهاء وجود "حزب الله" كميليشيا مسلحة، وإلى واجب الحكومة اللبنانية في إرسال الجيش اللبناني إلى الجنوب. والواقع أن مكونات الأزمة الحالية بدأت في التشكل منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، وهي الثورة التي صبت طاقة النضال السياسي على التنافس الديني في أوساط المسلمين. أما النتائج الدموية لهذا الأمر، فنحن نراها اليوم في العراق حيث يقتل الأشقاء الشيعة والسنة بعضهم البعض على الهوية الطائفية وتحت شعارات دينية؛ وقد بدأنا نرى آثار الحدث الإيراني تمتد أيضاً إلى الجانب الآخر من العالم العربي، عبر محاربة إسرائيل بواسطة وكلاء من قبيل "حماس" و"حزب الله". غير أن مرامي كل من "حماس" و"حزب الله" تشكل هي كذلك جزءًا من أجندة الجهاديين التي أضرمت النار في العالم العربي من أقصاه إلى أقصاه، في مصر والجزائر والسعودية والأردن والمغرب، بل وحتى في أوروبا وأميركا. ففي الجزائر، أودت الحرب الأهلية ضد الجماعات الإسلامية المسلحة بحياة ما لا يقل عن 110000 مدني منذ عام 1992. وفي السعودية، استهدف إرهابيو "القاعدة" المنشآت المدنية والنفطية، وقتلوا السعوديين والأجانب من دون تمييز. وفي مصر، قتل المتطرفون الكتاب العلمانيين والمسؤولين الحكوميين، وأحرقوا الكنائس وتحرشوا بالأقلية المسيحية البالغ عددها 10 ملايين نسمة. لقد عمل الجهاديون دون كلل، طوال السنوات الماضية، وقبل استهداف برجي مركز التجارة العالمية ومحطات ميترو الأنفاق في لندن ومدريد بوقت طويل، على أسلمة العالم العربي وفق تصورهم الراديكالي للدين والتعاليم الدينية. غير أن الأزمة الحالية في قطاع غزة، وفي لبنان بصفة خاصة، مثلت مصدر قلق بالنسبة للجمهور العربي، على اعتبار أنها تحمل بوضوح بصمات قوة خارجية تستغل وكلاء محليين لها. وهؤلاء الوكلاء المحليون يدفع بعضٌ منهم، مثل "حزب الله" باتجاه شن حرب ضد إسرائيل عبر لبنان، وذلك على الرغم من أنه ليست للبنان نزاعات ترابية أياً كانت مع إسرائيل. في حين أن سوريا، التي يقع جزء كبير من أراضيها (مرتفعات الجولان) تحت الاحتلال الإسرائيلي، لم تحرك إلى الآن جندياً واحداً من أجل تحرير أراضيها، مؤثرة دفع كل من "حزب الله" و"حماس" إلى مهاجمة إسرائيل بدلا من ذلك. ولهذا نجد أن الأمر سخيف وغير مسؤول، بل ومهين كذلك لذكاء العرب. أما بالنسبة لإيران، فإنها حينما تعمل على دفع وكلائها المباشرين، أي "حزب الله" و"حماس" وسوريا أيضاً، إلى خوض الحرب مع إسرائيل اليوم، فإنما تبعث لنا -نحن العرب- برسالة مؤداها أنها باتت تستحوذ على أجندة عالمنا العربي وقراره حول الحرب والسلم من أجل تقديم أجندتها الخاصة مع العالم حول الملف النووي وموضوعات أخرى. وبذلك يمكن القول إنه يجري استغلالنا من قبل جميع الأطراف تقريباً بمساعدة أطراف منا. لقد كان بالإمكان التعاطف مع إيران في ثمانينيات القرن الماضي، لأنها كانت قلقة بشأن الدفاع عن ثورتها الفتية، في وجه التحديات الاقليمية والدولية، أما اليوم، فإن التدخل الإيراني المتواصل في تحديد الأجندة الفلسطينية والعربية، يؤشر على أن الهدف الحقيقي لطهران ليس شيئا آخر سوى الهيمنة الإقليمية. وقد أشر انتخاب محمود أحمدي نجاد العام الماضي رئيسا لإيران على المرحلة الثانية من مسيرة الراديكالية الإيرانية، ليزيد ذلك من قلق الأغلبيات العربية الصامتة التي يبدو أنها لم تعد صامتة. فقد جهر عدد من الرؤساء والملوك والأمراء العرب بمعارضتهم لأعمال "حماس" و"حزب الله"، وبشكل ضمني لتشجيعات إيران وسوريا لهما، خلال الأسبوعين الماضيين. كما أن أصداء هذه المعارضة باتت تسمع اليوم في أوساط الناس العاديين في الأحاديث داخل المقاهي والبيوت متسائلين: "ما الذي يريدون فعله؟ ولماذا تعريض الآلاف من اللبنانيين والفلسطينيين للمعاناة عبر استفزاز الثور الإسرائيلي عمداً؟". الواقع أن للأمر ثمناً ينبغي دفعه. ففي لبنان، على سبيل المثال، من الواضح أن الناس في الشارع ينحون باللائمة على إسرائيل بطبيعة الحال، إلا أنهم يلومون "حزب الله" أيضاً بسبب الأزمة الحالية. والأمر نفسه ينسحب على قطاع غزة أيضاً، حيث يلقي الفلسطينيون اللوم على إسرائيل، غير أن لـ"حماس" أيضاً نصيبها من اللوم لانعدام كفاءتها وقلة احترافها. والواقع أن ما يبعث على السخرية هو أن استفزازات "حماس" و"حزب الله" لإسرائيل، إضافة إلى الرد الإسرائيلي عليها، قد يكون فتح فصلا جديداً في خطاب الشرق الأوسط الكبير– ولكن ليس ذلك الذي توقعته هاتان المنظمتان. وربما يكون الوقت قد حان كي لا تثير الحرب من أجل الحرب إدانة العالم عامة، وإنما إدانة العالم العربي تحديداً. Classifications Comments and Actions Present in Collection Proofed. Originally received in RAPIDBrowser on Thu 20 Jul 2006 18:42 GST This item was derived from: يوسف إبراهيم(محرر)/الجمعة/21/7/2006