في ظل هجمة العالم على موجات الإرهاب فإن الخاسر ظاهراً هو الإسلام البريء ابتداءً من وصمة التطرف والإرهاب وغيرها من المسميات التي تذهب ببهاء ديننا ورقته على الحيوان والجماد قبل الإنسان. إن مساحة الرقة في ديننا الإسلامي أكبر من سعة قلوبنا لقبول الآخر، ففي كل غلطة تمارس باسم الدين، يجب أن ترد في وجه صاحبها ولا علاقة لذلك بالأصل البريء إلا من شفافية الرقة والسماحة، وهما السياج الرصين للحفاظ على مكتسبات تراثنا الإسلامي في الماضي والممتد في الحاضر والمتعمق في المستقبل، إذا أردنا القيام بالدور الحقيقي لنا كمشاركين لهذا العالم في جميع أحواله. هذا الإطار تجازف بكسره بعض التصرفات الغارقة في العنف اللفظي أو الفعلي ومن العيار الثقيل وتنمو فينا أشد أنواع أسلحة الفتك الفكري ضراوة لحل مسائل جزئية ودقيقة من الأمور المحشورة في باب الاختلاف الودي وليس الخلاف العدواني فتتم المساواة لدى البعض بين قتل المسلم لأخيه المسلم في أي مكان وبين رفض المسلم لاتباع هؤلاء في التطبيقات الجزئية للإسلام. ومما يشق على الأنفس أن نسمع أو نرى من بعض المسلمين تشجيعاً وتبريراً لأفعال المعدمين من القيم الإنسانية ولا نقول الإسلامية الواجبة على رقبة الكل، وهذا الأمر بشكله العام ليس بجديد ولكنه في هذا الوقت على الأخص أخذ طابعاً عالمياً، أي بمعنى أنه لم يعد الفعل الغليظ أو المغلظ مقصورا على الدول العربية الإسلامية، بل تعدى ذلك إلى الحدود الجغرافية للعالم الغربي الذي بنى حضارته على الرقة في كل مناحيها، إلا أن هناك فئة لا ترغب في الاعتراف بأن الرقة واجبة وفرض في زماننا إذا أردنا أن نحافظ على خيط العلاقات الإنسانية بين البشر قوياً ومستمراً لأنها الكفيلة بإزالة العقبات عن طريق الالتقاء والتواصل الإنساني في ثوبه الشفاف. من هنا يصدق على هذه الحالة الشفافة بين البشر عند ممارسة سلوك الرقة مع الناس ما ذكره أحد الحكماء في قوله: العلاقات بين الناس كالرمال بين يديك فإذا أمسكت بها بيد مرتخية ومنبسطة ستظل الرمال بين يديك... وإذا قبضت يدك وضغطت عليها بشدة لتحافظ عليها سالت بين أصابعك، وقد يبقى شيء في يدك ولكنك ستفقد معظمها. إننا بحاجة للمحافظة على المزيد من العلاقات الممتدة في التاريخ بين الإسلام والآخرين وخاصة بأن هناك جسوراً ثقافية بدأت تبنى تدريجياً وأيادي غربية من هنا وهناك تصافح ضرورات اللقاءات المشتركة سواء أفراداً أو جماعات همها التواصل بين كافة الحضارات الإنسانية لكي يثمر ذلك في البناء الأسلم لنبذ العنف باسم أي دين أو مذهب كان إلى ما وراء التاريخ. إننا علينا واجب وأمانة كمسلمين وعرب في هذا الزمن الصعب هي البحث عن كافة الطرق الميسرة لإعادة الرقة المغتصبة من قبل فئات تمارس اللامبالاة والعدمية تجاه الآخر وإن كان من ذات الجلدة، إلى قواعدها الأصلية، وإلا وقعنا في شرور أعمال البعض على حساب الكل الذي لا ذنب له إلا أنه مسلم. وقف أحد الشباب المسلم من المتحمسين في غير وقته وزمانه أمام مسن شاخ رأسه وابيض في الإسلام ناصحاً إياه بكل ما يملك من قوة الكلمات التي تقذفها الدبابات فيصد عليه بكل ما أوتي من حكمة الشيب قائلا: يا بني إن في ديننا رقة فلا تهدمها بأسلوبك الفظ وغلظتك المنبوذة، وليس أصدق في هذا المقام من قول الصادق المصدوق: "ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه".