إن تزايد عدد المستثمرين الأجانب في سوق أبوظبي للأوراق المالية بمعدلات كبيرة جداً، في ظل مطالبات متزايدة بفتح الأبواب على مصراعيها أمام الاستثمارات الأجنبية "من دون قيود"، وتحركات حثيثة لفتح المجال للشركات الأجنبية للتملك الكامل في قطاعات أخرى، كل ذلك يستحق الوقفة والدراسة المتأنية لبحث دواعيه وأسبابه وتوقيته وأهدافه، إذ إن بعض هذه الاستثمارات يمكن أن تجلب معها العديد من المخاطر أكثر مما تحققه من مكاسب. وبالنسبة إلى سوق الأسهم، فقد أثبتت تجربة أبوظبي خلال الفترة الماضية، على محدوديتها، أن الاستثمارات الأجنبية التي دخلت السوق لم تسهم لا في استقرار هذا السوق ولا في توليد طاقة إنتاجية جديدة، بل كان هدفها تحقيق ربح سريع من خلال المضاربة، حيث كانت فترة احتفاظ المستثمرين الأجانب "الأفراد" بالأسهم قصيرة جداً ومحدودة، وبالتالي كانت أموالهم ساخنة تدخل إلى السوق وتخرج منه بسرعة، ما تسبب في اضطرابات امتد تأثيرها السلبي إلى خارج حدود السوق، ليمسّ بصورة مباشرة العديد من أوتار الاستقرار الاقتصادي في الدولة. إن أي دراسة شاملة وموضوعية حول تجربة سوق الأسهم المحلية مع الاستثمارات الأجنبية، خاصة الفردية منها، يمكن أن تكشف بوضوح عن مدى دور هذه الاستثمارات في زيادة وتيرة المضاربة وتعميق حدة الأزمة التي ظلت السوق ترزح تحت وطأتها طيلة الشهور الماضية. بالنسبة إلى القطاعات الأخرى، لم يحسم بعد الجدل المحتدم حول جدوى الاستثمارات الأجنبية، إلا أن مزيداً من الحوافز والتسهيلات والإغراءات تقدم لاجتذاب رأس المال الأجنبي. فالذين يطالبون بضرورة تشجيع هذه الاستثمارات يرون أنها تلبّي متطلبات أساسية للتنمية، منها الحاجة إلى المزيد من رؤوس الأموال، والعملات الأجنبية، والتكنولوجيا الحديثة، والكفاءات الإدارية الأجنبية، والأساليب التسويقية الحديثة، وخلق المزيد من فرص العمل. وبالنسبة إلى دولة الإمارات عموماً، وإمارة أبوظبي على وجه الخصوص، فإن العملة الصعبة لا تمثل مطلباً في حد ذاته، بل إن هناك فائضاً ضخماً يفوق كثيراً حاجة الاقتصاد المحلي، كما يشير واقع تجربة الإمارات مع الاستثمار الأجنبي، إلى أن أغلب رؤوس الأموال المستثمرة في المشروعات الأجنبية داخل الدولة يتم الحصول عليها من خلال الاقتراض من البنوك التجارية والمؤسسات المالية المحلية، أما الدافع الثالث من تشجيع الاستثمارات الأجنبية المتمثل في مساهمتها في توظيف مزيد من القوى العاملة، فهو لا يخدم كثيرا دولة الإمارات، حيث يمثل الأجانب أكثر من 92% من مجموع العاملين لديها، وأكثر من 99% من العاملين في القطاع الخاص، الذي يتضمن أيضاً المنشآت والشركات الأجنبية. يستنتج من ذلك أنه بالنسبة إلى سوق الأسهم المحلية يجب التركيز على الاستثمار المؤسسي الأجنبي باعتبار أنه استثمار طويل الأجل، يحقق للسوق بعضاًَ من توازنه المفقود. أما بالنسبة إلى القطاعات الأخرى، فإن الدور الأساسي للاستثمارات الأجنبية يجب أن ينحصر في استقطاب وتوطين التكنولوجيا المتقدمة، والخبرات المعرفية المتطورة، والصناعات الأجنبية الجديدة وغير المكررة التي تدعم وتنوع القاعدة الاقتصادية، والشركات الأجنبية العريقة في مجال التسويق للاستفادة من خبراتها وعلاقاتها الدولية في هذا المجال. وكل ذلك يتطلب خططاً ودراسات واستراتيجيات واضحة، إذ إن الانفتاح غير المدروس أمام الاستثمارات الأجنبية هو أمر في غاية الخطورة، ومن الممكن أن تتحول التدفقات الرأسمالية والاستثمارية الأجنبية إلى وسائل تدمير وتحطيم للمرتكزات الاقتصادية للدولة، خاصة إذا كانت درجة الانفتاح عالية ولا تضع ضوابط واضحة ودقيقة تحكم وتؤطر دور هذه الاستثمارات في الاقتصاد القومي. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.