جاءت زيارة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، إلى القاهرة، في خضم حالة فوران إقليمي متصاعد على عدد من الجبهات. من هنا جاء الحصاد السياسي للمشاورات التي أجراها سموه مع الرئيس المصري محمد حسني مبارك، ليقدم باقة من المؤشرات على التوجهات المرغوبة عربياً على جميع جبهات الفوران الإقليمي من دون استثناء. ساد شعور بالرضا العميق للتطور المستمر في علاقات الدولتين الشقيقتين، فهذه العلاقات التاريخية بين مصر والإمارات تعطي نموذجاً صافياً وفريداً لإمكانية بناء العلاقات البينية العربية على أساس الاحترام المتبادل والتعاون العميق بل والدعم المنزه عن الأغراض الجانبية، وبعيداً عن شبح الشقاق أو الصراعات. وقد عبّر صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات في البيان المشترك الصادر أثناء الزيارة، عن تقديره للدور الذي يقوم به فخامة الرئيس المصري من أجل دعم وحدة وتضامن الصف العربي، في حين عبّر فخامة الرئيس حسني مبارك في البيان نفسه عن اعتزازه بزيارة أخيه صاحب السمو الشيخ خليفة، مؤكداً أنها تأتي تجسيداً للعلاقات التاريخية المميزة بين البلدين. جميع الصحف المصرية أبرزت في صفحاتها الأولى، خبر المدينة السكنية الكاملة التي قرر صاحب السمو الشيخ خليفة تقديمها هدية لشعب مصر، وأبرزت المعنى الأخوي الرفيع الذي ترمز هذه الهدية إليه، والتي تأتي تعبيراً عن المشاعر التي يكنها رئيس الإمارات للشعب المصري والقائمة على المحبة والتقدير. على إننا كمثقفين باحثين عن جسور الترابط والقربى والمساندة المتبادلة بين أقطار أمتنا، نرى في هذه الهدية لفتة تستحق الإشادة، رغم أننا على يقين أن صاحبها لا ينتظر إشادات، فهي تجسيد لنموذج العطاء الأخوي والتضامن العربي الذي تتطلع إليه أمتنا في علاقات أقطارها لبناء محيط عربي مترابط بأواصر المحبة. الزيارة أبرزت المواقف المشتركة لدولة الإمارات ومصر تجاه القضايا الإقليمية الجارية على الجبهة اللبنانية، فرئيسا البلدين أعلنا تضامنهما التام مع شعب لبنان ووقوفهما إلى جانبه في هذه الظروف الخطيرة، مؤكدين مطلباً مشتركاً بالوقف الفوري لإطلاق النار، ودعيا مجلس الأمن والدول الكبرى إلى التحرك السريع والفعال من أجل وقف العدوان الإسرائيلي على لبنان. وبالإضافة إلى الجبهة اللبنانية، تناولت الزيارة القضية الفلسطينية، باعتبارها جوهر الصراع العربي-الإسرائيلي، حيث تتطابق وجهة نظر البلدين في ضرورة تحقيق السلام العادل والشامل والدائم في المنطقة، مما يتطلب قيام إسرائيل بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، وتنفيذ مبادرة السلام العربية، ما يعكس حرص الإمارات ومصر على تطبيق مبدأ "الأرض مقابل السلام"، وحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس. المشاكل الإقليمية خارج نطاق الصراع العربي-الإسرائيلي، شغلت جانباً من زيارة صاحب السمو الشيخ خليفة إلى القاهرة، وضمن هذا الإطار، أكدت الزيارة على أن أمن واستقرار الإقليم لا يتجزأ، وترتيباً على ذلك كان من الطبيعي التركيز على ضرورة إنهاء احتلال جمهورية إيران لجزر دولة الإمارات العربية (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى). ما نتمناه هو أن تستجيب إيران إلى الدعوة الصادرة عن الإمارات ومصر أثناء الزيارة، والخاصة بالاستجابة لدعوات دولة الإمارات لحل القضية عن طريق المفاوضات الثنائية، أو إحالتها إلى محكمة العدل الدولية. الزيارة أوضحت جانباً من المواقف المشتركة بين الإمارات ومصر حول ضرورة إخلاء الشرق الأوسط والخليج العربي من أسلحة الدمار الشامل، وحول ضمان وحدة العراق وأمنه واستقلاله، مما يؤكد أن حصاد الزيارة كان شاملاً لقضايا المنطقة بمواقف فاعلة ومتوازنة وبناءة.