لم يعد خافياً على أحد أن المواجهة الدائرة حالياً في الشرق الأوسط بين إسرائيل من جهة و"حزب الله" و"حماس" من جهة أخرى تندرج في إطار صراع أشمل تساهم فيه بشكل مباشر كل من إيران وسوريا. فلكي تبعد الأنظار الدولية عن برنامجها النووي وطموحاتها في هذا الاتجاه، أومأت إيران لـ"حزب الله" بشن هجومه وأعطته الضوء الأخضر لخوض مغامرته الخطرة ضد إسرائيل. أما سوريا التي تأوي خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" فهي تؤيد بقوة تصرفات "حزب الله" وتساند أيديولوجيته في المنطقة. فهل يمكن في ظل هذا الوضع الذي تتداخل فيه أطراف إقليمية متعددة أن يفضي إلى اتساع نطاق المواجهات لتعم كامل المنطقة؟ ربما يكون ذلك وارداً، إلا أن إمكانية حدوثه تبقى غير مرجحة على الأقل في الوقت الراهن. "فحماس" التي تدير دفة الأراضي الفلسطينية منذ صعودها إلى السلطة تعاني من عزلة خانقة، إذ لا يقف بجانبها سوى سوريا. كما أن "حماس" التي تعتبر فرعاً من حركة "الإخوان المسلمين" المصرية وتسعى إلى الإطاحة بالحكومة لن تهب مصر للدفاع عنها والشد من أزرها، رغم أن مصر مازالت الجار الأقوى لإسرائيل في المنطقة. وبالمثل يعتبر "الإخوان المسلمون" في الأردن أشد المعارضين للملك عبد الله ما يبعد احتمال دعم الأردن لحركة "حماس" في مواجهة إسرائيل، لا سيما بعد اعتراض شحنة من الأسلحة كانت قادمة من "حماس" وما أعقب ذلك من منع السلطات الأردنية دخول مسؤولي "حماس" إلى الأردن. أما بالنسبة "لحزب الله" فلا شك أن القصف الإسرائيلي للبنان حرك تعاطف بعض العرب تجاه الحزب وحفز روحهم التضامنية، لكن الجميع يعرف أن إسرائيل توجه نيرانها إلى "حزب الله" بعدما بدأ هذا الأخير المواجهات بعبوره الحدود الإسرائيلية وتنفيذه لعمليته هناك. والأكثر أهمية من ذلك أن العديد من العرب ينظرون إلى "حزب الله" باعتباره وكيلا يخدم مصالح أشقائه الشيعة في إيران، وهو ما يسهل الأمر على الدول العربية السنية مثل مصر والأردن النأي بأنفسهم عن الأزمة وعدم التورط في صراع لا ناقة لهم فيه ولا جمل. وقد ظهر ذلك بوضوح من خلال موقف السعودية التي سارعت إلى انتقاد "حزب لله" وإيران في وكالتها الرسمية للأنباء، حيث أكدت أنه "لا بد من التمييز بين المقاومة المشروعة والمغامرات غير المحسوبة التي تقدم عليها بعض العناصر داخل لبنان، أو من يقفون وراءهم". وفي عموم العالم العربي لا يوجد سوى بشار الأسد الذي يدعم "حماس" و"حزب الله"، لكن هل بإمكانه حقاً الذود عن الاثنين كأن يقدم مثلاً على فتح جبهة جديدة في مرتفعات الجولان؟ فسوريا تمتلك قوة كبيرة من سلاح المدفعية تستطيع بواسطتها إمطار إسرائيل بوابل من القذائف، كما أنها تملك صواريخ يمكنها الوصول إلى عمق إسرائيل، فضلاً عن إمكانية تعبئة وحداتها الخاصة لتنفيذ عمليات داخل الدولة العبرية. لكن من جهة أخرى لم يُعرف عن سوريا طيلة الفترة السابقة أنها خرقت اتفاق وقف إطلاق النار في الجولان الموقع عام 1974، وهي لم تخرقه حتى في 1982 عندما دمرت إسرائيل القوات السورية في لبنان. ولا شك أن السوريين يعرفون جيداً أنهم إذا بادروا بإطلاق النار، فإن الرد الإسرائيلي سيكون سريعاً عبر قصف القواعد الجوية السورية، وتدمير محطات توليد الكهرباء، ومصافي النفط، فضلاً عن الجسور وباقي المنشآت. هذا وسيتكبد الجيش السوري خسائر فادحة ما إن تعبئ إسرائيل قوات الاحتياط الكبيرة خلال أقل من 48 ساعة. بل والأكثر من ذلك لا بد وأن ينزعج الرئيس الأسد على مستقبل نظامه الذي يرتكز على ولاء الطائفة العلوية الصغيرة في البلاد، واحتمال الإطاحة بنظامه إذا تكبدت سوريا هزيمة عسكرية ساحقة. وهو ما ينقلنا إلى إيران وتصريحات محمود أحمدي نجاد التي تتوعد بتدمير إسرائيل وتنكر حدوث الهولوكوست بطريقة تكشف نواياه العدوانية تجاه الدولة العبرية. غير أنه إلى حد الآن مازالت إيران بعيدة عن امتلاك القدرات العسكرية الكفيلة بتهديد وجود إسرائيل، ما عدا حيازتها لبعض الصواريخ البالستية المستوردة من كوريا الشمالية ومزودة برؤوس تقليدية قد تسقط عشوائياً أينما اتفق. وعلى أي حال حتى لو حدثت معجزة ونجحت الصواريخ في ضرب إحدى المدن الإسرائيلية فإن شحنتها التقليدية من المتفجرات لن تسبب دماراً كبيراً. لكن في المقابل سيمنح أي هجوم إيراني على إسرائيل الفرصة السانحة للدولة اليهودية كي تدمر المنشآت النووية الإيرانية دون أن تثير انتقادات دولية. ورغم أن ذلك سيكون عملاً حربياً بامتياز لن تحرك الدول العربية ساكناً لأنها تخشى بدورها من إيران نووية. ويبدو أن الأزمة المشتعلة في الشرق الأوسط تنطوي على العديد من الرهانات تتراوح بين أمن إسرائيل واستمرار لبنان كدولة إلى مستقبل "حماس" و"حزب الله"، ثم إلى قدرة أميركا على التصرف كقوة فاعلة في الشرق الأوسط. لكن مهما تعددت الرهانات واشتدت خطورتها لا يوجد ضمنها أدنى احتمال لاندلاع حرب إقليمية في المنطقة. إدوارد لوتواك ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ زميل في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، ومؤلف كتاب "الاستراتيجية: منطق الحرب والسلم" ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"