مر أسبوع والشعب اللبناني يدفع فاتورة ممارسات غير محسوبة سياسياً ولا عسكرياً تقوم بها ميليشيا "حزب الله" ضد إسرائيل. وتعتقد إسرائيل، ومعها العديد من الدول المؤيدة لسياساتها أن هذه الممارسات تهدد أمن إسرائيل، بينما ترى الأطراف المعارضة لتوجهات "حزب الله" أن هذه الممارسات تمنح حكومة إيهود أولمرت فرصة ثمينة لتنفيذ مخططاتها في المنطقة وتوفر لها غطاء دعم دولي غير مسبوق. فقد نتج عن قيام عناصر من "حزب الله" بعملية أسفرت عن اختطاف جنديين إسرائيليين وقتل ثمانية آخرين عن قيام الجيش الإسرائيلي بهجوم شامل على لبنان أعاد إلى الأذهان الكثير من المشاهد التي يحاول اللبنانيون نسيانها. لم يكن السلوك العسكري المدمر الذي تقوم به حكومة أولمرت ليلقى أي تأييد من المجتمع الدولي، بالطريقة التي نراها اليوم، لو لم تكن هناك أخطاء فادحة قامت بها ميليشيا "حزب الله"، ما أفقدها أي تعاطف دولي محتمل معها، بل جعل الهجوم الإسرائيلي الشامل على الدولة اللبنانية يحظى بموافقة معلنة أو ضمنية من بعض الدول الكبرى، ويكتفي الآخرون، وهم كثر، بالقول بأن الرد "غير متكافىء" دون مطالبة صريحة لأولمرت بالانسحاب، أما العرب فموقفهم– كالعادة- إعلاء نبرة الشجب والإدانة والمطالبة التقليدية لإسرائيل بالكف عن ضرب الشقيقة لبنان! والمشكلة أن الهجوم الإسرائيلي، المدمر، لم يقتصر على مواقع "حزب الله"، منفذ العملية، التي استبعد البعض أنها كانت تستهدف إسرائيل وتخليص الأسرى فقط على أساس أن العملية مدروسة بل ومخطط لها من حيث التوقيت، لحسابات في الداخل اللبناني خاصة بالحزب ولأسباب إقليمية متعلقة بسوريا وإيران. كما أن المشكلة أيضاً في أن العالم أصبح أكثر استعداداً وقبولاً لمثل هذا العمل العسكري الإجرامي الذي تقوم به إسرائيل انطلاقا من مبدأ "الدفاع عن النفس"!، وكأن هناك رغبة ضمنية من الجميع بالتخلص من "حزب الله" والسماح لإسرائيل باستغلال هذا الخطأ للقضاء عليه، فالمعارضة الدولية وحتى العربية لم تعد بتلك الحدة المعروفة في مثل هذا الهجوم، باستثناء سوريا وإيران طبعاً، اللتين كما يعتقد الكثيرون ينوب الحزب عنهما في إدارة الحرب مع إسرائيل. لا يمكن الاختلاف حول الوقوف ضد الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، وحول الرغبة الإسرائيلية للتوسع واحتلال ما أمكنها من أراض عربية أخرى، ولا يمكن الاختلاف على عدم التزامهم بالقوانين والقرارات الدولية واستخدام كل أنواع الوحشية والغطرسة في التعامل مع العرب، وعلى هذا الأساس، أعتقد أنه يجب أن يدرك "حزب الله" حجم الأرباح والخسائر التي يمكن أن تنتج من أي ممارسات يمكن أن يقوم بها ضد إسرائيل، وألا يكون الأمر عبارة عن "مغامرة" وكأن هناك محاولات، ربما غير مقصودة، لاستدراجهم ليعودوا ويحتلوا لبنان مرة ثانية. المشهد اللبناني، على مدى الأسبوع، عبارة عن حرائق ودمار وأطفال قتلى وجرحى بين المدنيين وهروب الناس، لقد كان المأمول أن تعود لبنان لتكون واحة استقرار واستثمار وإعمار، لذلك استثمر الكثيرون، وأن يصبح الشعب اللبناني، كما غيره من شعوب العالم، قادراً على العيش بسلام وأمان لا أن يعيش تحت الدمار، وتحت كابوس إعادة الاحتلال والقصف والموت المتوقع في أي لحظة، فالواضح أن البعض من قيادات "جماعات المقاومة" يتجاهلون احتياجات الشعوب والجماهير العربية ويقتصر تفكيرهم فقط على الحسابات السياسية الخاصة بهم، التي تجد معظم مؤيديها من البعيدين من خط النار ولا يعايشون ما يعيشه الشعب اللبناني المواجه لإسرائيل. الثاني عشر من يوليو، هو بداية لمرحلة جديدة في تاريخ "حزب الله" اللبناني، فلأول مرة فَقَدَ الحزب المساندة الشرعية، التي كانت متوافرة له، في مواجهة إسرائيل، على الصعيد الدولي، إسرائيل انسحبت وفقا لقرار (425) وعلى الصعيد العربي، فَقَدَ الحزب أي دعم عربي بعد إعلان المواقف السعودية والمصرية والأردنية التي اعتبرت عمليته ضد إسرائيل "مغامرة". أما على الصعيد اللبناني، فإن قطاعا كبيراً في لبنان يحمّل الحزب مسؤولية التدمير الحاصل في هناك، جراء استفزازه لإسرائيل. والغطاء الوحيد الذي يستند إليه الحزب هو غطاء سوريا وإيران، إذن فباسم من أو لمصلحة من يقاتل "حزب الله"؟!