بعد اشتعال لبنان، لا نعرف إلى أين يتجه المستقبل العربي. من السهل أن نوجه اللوم إلى طرف ونحمله المسؤولية، إلا أنه من الصعب أن نقرأ ما وراء المعلن وأن نمسك بكل أوراق اللعبة. قد لا نتفق مع سياسة "حزب الله" ونختلف مع أطروحاته، إلا إننا لا نميل إلى التسطيح فى فهمنا للأحداث, فما يحدث على الساحة اللبنانية أكبر من قضية الجنديين، وقد بات الأمر واضحاً؛ فهذه الحرب تتعدى "حزب الله", فهي حرب استكمال لـ"خريطة الطريق" التي جاءت بها واشنطن. العراق لم تلتئم جراحه ومازالت أوضاعه في غاية الغموض، وما فتئ يحمل في داخله قنابل قد تنفجر في أية لحظة، وإذا بنا نفاجأ بحرب لبنان. من المؤكد أن لـ"حزب الله" خططه المرتبطة بالمحور الإيراني- السوري، وإشعاله لهذه الحرب لم يأت اعتباطاً بقدر ما كان الأمر مدروساً وبتأن كبير لإحداث هزة كبيرة في المنطقة العربية، خصوصاً للمحور العربي الذي وضع أوراقة في سلة واشنطن. الحرب الدائرة الآن ما هي إلا حرب تصفية حسابات تقودها طهران، وهي حرب لم تخترها الزعامات العربية، ولكنها حرب تشبع الرغبات المكبوتة للشارع العربي, الشارع الذي راهن على بن لادن وصدام حسين لكي يخرجاه من المحنة والحرقة التي عطلت العقل وحركت العواطف وجعلتها تسير السلوك وتؤطر الاتجاهات. إيران لديها مصالحها وتسعى إلى تأكيد وجودها كقوة عالمية لا يمكن تجاهلها، ويقابل ذلك السعي الأميركي في تهميشها، مما زاد من وقود الراديكالية الدينية وجمع بين أطرافها المتناقضة، ونعني بذلك "حماس" و"حزب الله". إذن الحرب الدائرة في الساحة اللبنانية هي حرب تدار بأيدٍ إقليمية، ما قد يؤدي إلى اتساع رقعتها ودخول أطراف جديدة تزيد من حدتها وتوسع جبهة المواجهة، وحين ذلك يتعذر على الأطراف المحركة وقفها. نحن مع بسط نفوذ الدولة اللبنانية لسلطتها على كامل أراضيها، إذ لا يعقل ان تستمر الميليشيات المسلحة، حتى وإن كان تحت غطاء المقاومة, فالدولة اللبنانية مطالبة أمام المجتمع الدولي بضبط حدودها كما أنه لم يعد بمقدور لبنان أن يستمر ساحة لتصفية الحسابات. لا يمكن للبنان أن يجمع شتاته في ظل غياب رؤية عربية مشتركة لحل الصراع العربي- الإسرائيلي، وبالتالي فالسلام المطلوب مع إسرائيل لا يمكن إتمامه دون موافقة سوريا، وهذه الأخيرة راغبة في عملية السلام، وعلى الدول العربية ممارسة مزيد من الضغط على واشنطن لإحلال سلام عادل في المنطقة. الحرب على لبنان ما هي إلا فصل من الحرب على الإرهاب التي تقودها واشنطن، وهي حرب غير متوازنة وتفتقد إلى الواقعية في فهم بواعث الإرهاب، وهي حرب منحازة لن تنتهي بالقضاء على "حماس" أو "حزب الله، وغيرهما من تنظيمات، حيث أصبح لهذه التنظيمات مؤيدوها في الشارع العربي والإسلامي، بل إنه لم يعد من الحكمة الاستمرار في سياسة الإقصاء والتهميش, فهذه القوى بحاجة إلى الحوار كما إننا بحاجة إلى فهم بواعث الانقلاب في المزاج العربي الذي غلبت عليه الراديكالية الدينية في توجهاتها العامة. من الواضح أننا بحاجة إلى فهم جديد لمعادلة العنف, فالسياسة القديمة التي انتهجتها واشنطن أدت الى مزيد من الاحتقان ورفعت من معدلات العنف في المنطقة ولم تقض عليها، كما هو الهدف المعلن لواشنطن. من الوهم أن نقتلع الفكر الراديكالي الديني في ظل تفشي فساد النخبة وتهميش العامة, وفي ظل سياسة غير عادلة تتزعمها واشنطن. لعنة الحرب اللبنانية سيطال شررها المنطقة العربية كلها, وقد تشعل فتنة طائفية، كما هو حادث في العراق, إنها حرب تقليم الأظافر، وهي مقدمة لتقسيم المنطقة العربية وفق المصالح الجديدة لعالم ما بعد الحادي عشر من سبتمبر.