ما بدأ كاقتحامين عسكريين خاطفين بهدف استرجاع الجنود الإسرائيليين الأسرى تطور بسرعة إلى حملة عسكرية حقيقية من قبل إسرائيل على اثنين من ألد أعدائها: "حزب الله" و"حماس". حيث اتخذ القادة الإسرائيليون، الذين اُخذوا على حين غرة مرتين خلال غارتين صغيرتين قبل أقل من ثلاثة أسابيع، قراراً سياسياً مقصوداً يقضي بانتهاز الفرصة– أو الذريعة كما يسميها البعض- لشن هجمات متزامنة واسعة النطاق. أما الهدف، فهو سحق منظمتين قتاليتين تشاركان أيضاً في الحكم. غير أن محللين إسرائيليين وخارجيين يرون أن إسرائيل تكون بذلك قد تبنت استراتيجية محفوفة بالمخاطر تقوم على أمرين هما: استعمال القوة العسكرية الكبرى بغية تقليص قوة الخصم، وشن ضربات تضر بالاقتصادات المدنية وسكان قطاع غزة ولبنان. أما هدف الجزء الثاني من الاستراتيجية فهو ممارسة الضغط على العناصر الأكثر اعتدالا في الحكومتين الفلسطينية واللبنانية لتجريد "حماس" و"حزب الله" من بعض نفوذهما وتأثيرهما. لقد تواصل الاقتتال في غزة لأسبوع تقريبا قبل أن يظهر جلياً أن هدف العملية العسكرية يتجاوز مجرد منع "حماس" من إطلاق صواريخ "القسام" على جنوب إسرائيل وتحرير الجندي "جلعاد شاليت". حيث كتب المعلق "روني شاكيد"، بعيد بدء الهجوم، في صحيفة يديعوت أحرنوت يقول إنه أمام إسرائيل "فرصة لا تعوض". فبغض النظر عن نجاح عملية تحرير الجندي الإسرائيلي أو إخفاقها، "يمكن لإسرائيل، عبر سحق نظام "حماس"، أن تخطو خطوة استراتيجية أكبر بكثير، يمكن أن يكون لها عميق الأثر على المنطقة برمتها". وفي غضون أيام معدودة، كان صناع القرار الإسرائيليون يتحدثون صراحة عن آمالهم في استعمال المواجهة لإزاحة "حماس" عن السلطة. كما لم يتأخر قادة تل أبيب عن اغتنام الفرصة في لبنان. ومعلوم أن "حماس" وصلت إلى السلطة في الأراضي الفلسطينية في مارس الماضي. أما "حزب الله"، فقد سيطر على جنوب لبنان لسنوات، طالما عمل الجيش الإسرائيلي خلالها على التخطيط لضربه عندما يحين الوقت المناسب. وهكذا، وبعد ساعات على تنفيذ مقاتلي "حزب الله" لغارة عبر الحدود يوم الأربعاء قتلوا فيها ثمانية جنود إسرائيليين وأسروا اثنين، بدأ القادة الإسرائيليون الحديث عن توجيه ضربة قوية لهذه المنظمة لا تستطيع بعدها النهوض سياسياً وعسكرياً. والحال أن هذه السياسة تنطوي على مخاطر عدة، أولها إسرائيل تعي جيداً أن "حماس" و"حزب الله" يجدان نفسيهما اليوم على أرضية مشتركة – فكلاهما مستهدفان من قبل إسرائيل. وهو ما قد يوطد العلاقات بين المنظمتين اللتين كانتا متنافسين في الماضي رغم معارضتهما المشتركة لإسرائيل. وفي هذا الإطار، تحدث زعيم "حزب الله"، الشيخ حسن نصر الله، عن مقايضة الجنود الأسرى الثلاثة– الجنديين المحتجزين لدى "حزب الله"، والجندي الأسير لدى نشطاء مرتبطين بـ"حماس"- بعدد غير محدد من السجناء المعتقلين في السجون الإسرائيلية، وهو ما رفضته إسرائيل. كما أن نشطاء مقنعين تعهدوا يوم الأحد في غزة بإطلاق المزيد من الصواريخ على إسرائيل "تضامنا" مع "حزب الله". أما الخطر الكبير الثاني فيتعلق بالإصابات في صفوف المدنيين، ذلك أن التوغل العسكري الإسرائيلي، في لبنان كما في غزة، كرس المعاناة اليومية بشكل كبير جدا، ذلك أن المدنيين هم من يتحملون العواقب عندما يقدم المقاتلون الإسلاميون على توجيه ضربة إلى إسرائيل. ثم إن الاستياء مما تقوم به المنظمتان، يقل ويخفت أمام الغضب والسخط الذي يشعر به اللبنانيون وسكان غزة عندما يواجهون بالقوة النارية الشرسة التي تطلقها إسرائيل. وعلاوة على ذلك، فقد حاصرت هجمات إسرائيل على لبنان وغزة القادة المنتخبين في زاوية ضيقة، ذلك أنه مهما كان شعورهم الحقيقي حيال ما يقوم به النشطاء، إلا أنهم يخشون أن يتم نعتهم بعملاء لإسرائيل في حال نددوا بـ"حزب الله" أو "حماس". ففقد كان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس شاهداً ، في يناير الماضي، على خسارة حركة "فتح" في الانتخابات التشريعية أمام "حماس" كما كان شاهداً على المعارك النارية التي اندلعت بين نشطاء "فتح" و"حماس". ولذلك، فيمكن القول إنه لن يأسف لرحيل "حماس" عن السلطة. غير أنه كان مضطراً إلى إصدار البيان تلو البيان دعما لـ"حماس" بعد أن أقدمت إسرائيل على اعتقال العشرات من مسؤولي الحركة، وقصفت وزارات حكومتها، وهددت بقتل قادتها. وفي لبنان، حيث يشارك "حزب الله" في حكومة ضعيفة، عمل نصر الله على توضيح موقفه بشكل جيد في خطاب ناري الأسبوع الماضي، فرق فيه بين من يتبعونه في المعركة ومن ينبطحون لإسرائيل. والحقيقة أن اللبنانيين قد لا يفضلون أياً من الخيارين، غير أن لُحمة التضامن ضد عدو قديم، والشعور بالمعاناة الوطنية على يد إسرائيل قد يقوي عضد "حزب الله"، على المدى القريب على الأقل. أما في إسرائيل، فيقر حتى بعض ممن كرسوا حياتهم المهنية لمحاربة إحدى هاتين الحركتين الإسلاميتين بخطر ثالث يتمثل في إمكانية أن تفشل إسرائيل عبر محاولة تحقيق أكثر مما تستطيع تحقيقه، حيث يرى بعض المحللين أنه يتعين على القادة الإسرائيليين أن يقيموا بهدوء توقعاتهم مما يمكنهم تحقيقه عبر خطوات من قبيل قتل قادة "حماس" أو "حزب الله". وفي هذا السياق، يقول "يوري ساغاي"، القائد السابق في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، إنه يتعين على إسرائيل أن تحدد شروطاً واقعية لنفسها في كل من غزة ولبنان. فعلى سبيل المثال، يقول هذا المسؤول العسكري السابق، قد تكون إسرائيل قادرة على إخراج "حزب الله" خارج حدود لبنان، ولكنها لن تكون قادرة على تجريد المنظمة من سلاحها بالكامل، أو تخفيف قبضتها على السلطة السياسية في لبنان. لورا كينغ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مراسلة "لوس أنجلوس تايمز" في القدس ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"