طالما أن من قدر الذين لا يتعلمون دروس التاريخ, هو تكرار الأخطاء ذاتها... وطالما أن الشخصيات التي علا صراخها بتصريحات حول أزمة الشرق الأوسطية, هي الشخصيات نفسها تقريباً خلال الثلاث أو الأربع سنوات الماضية, فإنها لتبدو فكرة جيدة لو تتبعنا خيط الذاكرة واستعدنا بعض تلك التصريحات لننظر إليها في ضوء واقع اليوم. وفيما يلي نورد بعض ما قيل والتواريخ التي صدرت فيها هذه التصريحات. "إن أفضل ما يجنيه الاقتصاد العالمي من غزو العراق, هو انخفاض سعر برميل النفط إلى 20 دولاراً"... "روبرت موردوخ", رئيس شركة "نيوز" المالكة لشبكة "فوكس نيوز" والتاريخ الذي يعود إليه هذا التصريح هو فبراير 2003. وفي المقابل فقد نشرت شبكة "فوكس نيوز" نفسها في الرابع عشر من يوليو الجاري أن أسعار النفط قد بلغت الـ78 دولاراً بسبب استمرار النزاع في منطقة الشرق الأوسط. وفي 31 ديسمبر من عام 2002, أعلن المسؤول الأول عن ميزانية الإدارة الأميركية أن التكلفة الكلية للحرب على العراق, تقدر ما بين 50-60 مليار دولار, مما يشير إلى أن التقديرات السابقة المنسوبة إلى "لورانس بي ليزلي", كبير المستشارين الاقتصاديين للرئيس بوش سابقاً, والتي تراوحت بين 100-200 مليار دولار كانت فلكية ومبالغاً فيها. أما التقرير الصادر عن مكتب موازنات الكونجرس بتاريخ 13 يوليو الجاري, فذهب إلى قول ما يلي: "بناءً على معلوماتنا الخاصة, تقول التقديرات المالية إنه قد جرى صرف نحو من 290 مليار دولار منذ لحظة غزو العراق في مارس 2003, على الأنشطة الجارية هناك. أما التكلفة الإضافية خلال المدة من 2006 وحتى 2016, فتشير إلى إجمالي يتراوح مقداره بين 202 مليار دولار تحت أفضل السيناريوهات المتوقعة وأكثرها تفاؤلاً, و 406 مليارات دولار تحت أسوأ السيناريوهات وأشدها تشاؤماً. إلى ذلك قال "بول وولفوفيتز" نائب وزير الدفاع الأميركي سابقاً, والرئيس الحالي للبنك الدولي في تصريح نسب إليه بتاريخ 27 فبراير 2003: "ربما كانت تكلفة متطلبات عملية حفظ السلام في العراق, أقل كثيراً مما أشارت إليه التجربة التاريخية للمهمة ذاتها في منطقة البلقان. فليس ثمة سجل تاريخي عراقي يشير إلى نشاط عدواني بين مليشيات طائفية, تقاتل بعضها بعضاً, إلى حد تسبب عنه سيل حمامات من الدماء على نحو ما جرى في منطقة البلقان". غير أن صحيفة "تايمز" اللندنية نشرت عنواناً لخبر رئيسي في صفحتها الأولى جاء فيه ما يلي:"لم تعد القنابل وموجات العنف والقتل أمراً جديداً على الجزء الغربي من بغداد. ولكن الجديد الذي طرأ عليه خلال الأيام القليلة الماضية, هو انفراط زمام الأمن تماماً, وتحول الوضع كله إلى ما يشبه "التطهير العرقي". فمن جانبهم يسعى المسلحون الشيعة إلى طرد الأقلية السنية التي كتبت لها السيطرة على امتداد عدة عقود, بينما ينهمك المسلمون السُنة في تشكيل فرقهم ورص صفوفهم بنية الرد عليهم. ومن مظاهر حملات التطهير العرقي هذه, تعرض المساجد للهجمات المسلحة أثناء أداء الصلوات والشعائر الدينية, بينما يتم قتل عشرات المدنيين العزل, مع التمثيل بجثثهم وتركها في العراء والشوارع العامة. كما نسب إلى الرئيس بوش نفسه قوله في السابع عشر من يونيو 2006: لقد ذهبت في وقت مبكر من هذا الأسبوع لزيارة بغداد عاصمة العراق الحر الديمقراطي". وفي المقابل علق رئيس الوزراء العراقي الأسبق إياد علاوي في نوفمبر من عام 2005, أي قبل أشهر معدودة فحسب, من زيارة بوش التي وصف فيها العراق بالحرية والديمقراطية كما يلي: يأتي الناس اليوم أفعالاً شبيهة بما كان يحدث في عهد صدام حسين, بل وما هو أسوأ منها. وقد كانت تلك الممارسات هي السبب الرئيسي وراء حربنا لصدام, ومن أسف أننا نرى الأفعال نفسها تتكرر حالياً. يذكر أن إياد علاوي كان الشخصية العراقية الأولى المفضلة للرئيس بوش, لحظة اختياره أول رئيس وزراء لعراق ما بعد صدام! وجاء أيضاً على لسان الرئيس بوش وصفه للزعيم المشهداني في حديث له بتاريخ 22 مايو 2006 بقوله: للحكومة العراقية الجديدة قائدها القوي الممثل في شخص المشهداني الناطق الرسمي عنها. فهو يرفض استخدام العنف أداة لتحقيق الأهداف السياسية. وبموافقته على شغل منصب قيادي في الحكومة العراقية الجديدة, إنما يظهر قدراً عالياً من الشجاعة وروح تحمل المسؤولية القيادية". لكن وفي الثالث عشر من يوليو الجاري, صرح المشهداني نفسه معلقاً على أحداث العنف المتصاعدة في بلاده بقوله: يقول لنا البعض, لقد رأيناكم تجزون رؤوس الناس وتختطفونهم وتقتلونهم دون ذنب ارتكبوه، بل انتهى بكم الحال إلى خطف النساء اللائي نعدهن شرفاً لنا. ولكني أقول لهؤلاء إن من يأتي كل هذه الأفعال المنكرة ليس عراقياً على الإطلاق, ولا بد من أن يكون يهودياً وابن يهودي" فبماذا يرد الرئيس بوش على هذا التعليق؟! ومرة أخرى نعود إلى الرئيس بوش في قوله بتاريخ 18 ديسمبر 2005: مواطنيّ الأميركيين... إنني لا أقول لكم إننا سنفوز بحربنا على العراق فحسب, بل يهمني أن أؤكد لكم أننا نحقق هذا الفوز بالفعل. وخلافاً لذلك, فقد رد الجنرال "بيتر شوميكر" رئيس أركان الحرب, على سؤال شبيه حول ما إذا كانت أميركا تفوز بتلك الحرب بقوله: إن أفضل طريقة للإجابة عن هذا السؤال, أننا لم نخسرها بعد. ولك أن تتأمل ما احتشدت به كل هذه التصريحات من تضارب وتناقضات! ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"