على الرغم من كثرة حملات التوعية ووفرة التغطية الإعلامية لمرض سرطان الثدي، لا زالت غالبية النساء لا يدركن بشكل كاف، مدى تأثير عوامل الخطر الناجمة من نمط الحياة على احتمالات الإصابة بهذا المرض. بل الغريب أن معظم النساء، لا تزيد معلوماتهن عن هذا الموضوع، عن معلومات أقرانهن من الرجال، والتي يمكن وصفها بأنها معلومات ضعيفة وسطحية في أحسن الأحوال. هذه هي الحقائق المؤسفة التي أظهرتها دراسة نشرت هذا الأسبوع في الدورية العلمية المرموقة (European Journal of Cancer) ، كانت قد أجريت على 10 آلاف طالبة جامعية من 23 دولة مختلفة. وركزت هذه الدراسة التي أجراها علماء وحدة السلوك في "يونيفرستي كولج" بلندن، على الطالبات الجامعيات، على أساس أنهن سيشكلن في المستقبل صفوة المجتمع النسائي. ومن منطلق أن لو هذه الطبقة كانت لا تدرى عن العلاقة بين عوامل الخطر الناجمة من نمط الحياة وبين احتمالات الإصابة بسرطان الثدي، ففي الغالب أيضاً أن بقية فئات المجتمع النسائي لا تدري أيضاً. ولإظهار مدى الجهل بهذا الموضوع، يمكننا هنا أن نستعرض هنا نتائج الدراسة على الطالبات الجامعيات في كل من بريطانيا والولايات المتحدة، وهما دولتان تتميزان بدرجة عالية من التعليم، وبقدر جيد من حملات التثقيف الصحي والتغطية الإعلامية لسرطان الثدي. ولغرض هذه المقارنة، ركزت الدراسة على ثلاثة عوامل خطر بالتحديد، ذات علاقة بنمط الحياة وتزيد من احتمالات الإصابة بسرطان الثدي، وهي السمنة وتناول الكحوليات وممارسة التمارين الرياضية. فبالنسبة للسمنة، لم يدرك إلا 15% من الطالبات الأميركيات، و7% فقط من الطالبات البريطانيات، أن الوزن الزائد يتسبب في زيادة احتمالات الإصابة بسرطان الثدي. أما بالنسبة لتناول الكحوليات، فلم تزد نسبة من أدركن من الطالبات الأميركيات عن علاقته بسرطان الثدي عن 10%، و 4% فقط بين الطالبات البريطانيات. وبالنسبة لتأثير ممارسة الرياضة على خفض أو زيادة احتمالات الإصابة بسرطان الثدي، فلم يربط بين الموضوعين إلا 18% فقط من بين الطالبات الأميركيات، و3.5% ليس إلا من بين الطالبات البريطانيات. وبوجه عام، وبين جميع طالبات الثلاث وعشرين دولة المختلفة، لم يتمكن إلا 5% في المتوسط بينهن جميعاً، من الربط بين عوامل الخطر سابقة الذكر وبين سرطان الثدي. والغريب أن نسبة مرتفعة من الطالبات، ربطن بين التوتر وبين احتمالات الإصابة بالمرض، على الرغم من أن الدلائل العلمية على وجود مثل تلك العلاقة غير مؤكدة بالمرة. وفي الوقت نفسه ربط أكثر من نصف الطالبات، بين سرطان الثدي والعوامل الوراثية. ورغم أن هذه العلاقة صحيحة، فإن النسبة المرتفعة من التركيز عليها بين الطالبات، يعني أيضاً وجود شعور عام بحتمية المرض، ويقلل من الإدراك العام بقدرة المرأة أو الفتاة على خفض احتمالات إصابتها بالمرض، من خلال تجنب العوامل الناتجة من نمط الحياة السيئ. ويأتي هذا الجهل بين نساء العالم- أو على الأقل اضطراب الحقائق والأوليات- في وقت اعتبر فيه سرطان الثدي أكثر الأمراض السرطانية انتشاراً بين النساء على الإطلاق. ويرتبط هذا المرض بمجموعة من عوامل الخطر، المعروف عنها زيادة احتمالات الإصابة بالمرض، وهي التقدم في العمر، ووجود تاريخ عائلي، والوصول إلى سن البلوغ في سن مبكرة، أو التأخر في العمر لحين بلوغ سن اليأس، والعلاج ببدائل الهرمونات، أو استخدام حبوب منع الحمل، بالإضافة إلى السمنة الزائدة والإفراط في تناول الكحوليات. وفي الوقت نفسه توجد عوامل أخرى معروف عنها تحقيق قدر لا بأس به من الوقاية ضد المرض، وهي الرضاعة، وإنجاب عدد من الأطفال في سن مبكرة، والحفاظ على اللياقة العامة في حالة جيدة، والاعتماد على غذاء صحي متوازن، والامتناع عن التدخين. وتلعب الوراثة دوراً مهماً خلف احتمالات الإصابة بسرطان الثدي. وقد أمكن بالفعل التعرف على الجينات المسؤولة، وهما (BRCA1) و(BRCA2). وتصاب نساء العائلات الموجود بين أفرادها هذان الجينان بمعدلات أكبر بكثير من العائلات الأخرى التي لا يوجد هذان الجينان في التركيبة الوراثية لأفرادها. ويلعب أيضاً العنصر دوراً مهما في احتمالات الإصابة، حيث تزداد الإصابة بشكل واضح بين النساء المنحدرات من أصول أوروبية وأفريقية، مقارنة بالمنحدرات من أصول آسيوية، واللواتي تنخفض الإصابة بينهن بقدر كبير. ويلعب أيضا الفحص الروتيني دوراً بالغ الأهمية في حالة سرطان الثدي، ليس على صعيد الوقاية من المرض، وإنما في الكشف المبكر عنه، قبل أن يستفحل وينتشر إلى بقية أعضاء وأجهزة الجسم. ويوجد نوعان من الفحوص الروتينية يستخدمان للمسح الروتيني للكشف المبكر عن سرطان الثدي؛ الأول هو الفحص الذاتي من قبل المرأة؛ والثاني هو الأشعة العادية على الثدي والمعروفة بـ"الماموجرافي" (Mammography). وحسب الإحصائيات الدولية، أثبت "الماموجرافي" وحده قدرته على خفض الوفيات الناتجة عن الإصابة بسرطان الثدي. وهو ما دفع بالجهات الصحية والطبية في الكثير من دول العالم إلى التوصية بإجراء هذا الفحص بشكل سنوي على النساء اللواتي تعدين سن الخمسين، بهدف الكشف المبكر على المرض وزيادة احتمالات النجاة بين المصابات به. ويتفوق "الماموجرافي" في قدرته على تشخيص وجود نمو سرطاني في الثدي، مقارنة بالأساليب التشخيصية، حتى الأكثر حداثة منها مثل الأشعة المقطعية، والذي يعتبر قليل الفائدة، عندما يتعلق الموضوع بالكشف المبكر عن هذا المرض بالتحديد. د. أكمل عبد الحكيم