لماذا تعد أزمة الشرق الأوسط الحالية مختلفة عن جميع أزمات الشرق الأوسط التي سبقتها؟ إنها كذلك لأن خصوم إسرائيل الرئيسيين في جميع أزمات الشرق الأوسط الأخرى كانوا "منظمة التحرير الفلسطينية" ومصر والعراق وسوريا، غير أن الخصوم الرئيسيين في الأزمة الحالية هم الجهاديون في "حركة المقاومة الإسلامية" (حماس) و"حزب الله" وسوريا، والأهم من ذلك كله، إيران. ذلك أن المغامرين في جميع الأزمات السابقة كانوا على الهامش؛ أما اليوم، فقد أضحى المغامرون في "حماس" و"حزب الله" مشاركين في الحكومات ويقودون أحزاباً كبرى. لقد كسب الفلسطينيون في جميع الأزمات الأخرى السابقة قدراً كبيراً من التضامن مع قضيتهم بفضل الجهود الحثيثة للزعيم الراحل ياسر عرفات. أما اليوم، فقد بات رجال الدين في إيران يتحكمون في القضية الفلسطينية إلى حد كبير، محولين إياها إلى سلاح ضمن صراع أوسع من القضية ذاتها. وفي جميع الأزمات الأخرى السابقة، كانت ثمة مفاوضات، ومجموعة من الخطط السلمية، وبعض الأمل في التوصل إلى صلح ما بين الأطراف المتحاربة. غير أن الأزمة الحالية تبدو مختلفة، ذلك أن إيران لا تضع "خرائط طريق"، كما أن الجهاديين الذين يحركون هذه الأزمة لا يرغبون هم أيضاً في الصلح. وبعبارة أخرى، فإن الأزمة الحالية في الشرق الأوسط، تمثل عودة إلى الصراع الجوهري بين إسرائيل وأولئك الذين يسعون إلى تدميرها، وبالتالي فلا يسع المرء، في الوقت الراهن، على الأقل، إلا أن يودع بعض مميزات الأزمات السابقة. ولا يسعنا أيضاً إلى أن نودع لعبة الشطرنج المعروفة بعملية السلام في الشرق الأوسط. لقد كانت لعبة الشطرنج تلك تتوقف على عدد من اللاعبين العرب الأذكياء الذين كانوا يتحلون بالحكمة والذين كانت إسرائيل تستطيع التفاوض معهم. والواقع أن هؤلاء المخاطَبين الأذكياء والعاقلين مازالوا موجودين. فهم مازالوا يدعون الزوار الغربيين للعشاء، ولعلهم ما زالوا يمثلون أغلبية مواطنيهم، غير أنهم لم يعودوا يديرون العرض اليوم. ذلك أن إيران قامت باستحواذ شبه عدائي على ما كان يصطلح عليه النزاع العربي-الإسرائيلي، حيث عمقت إيران دعمها لشركائها الإرهابيين ووسعته. وإذا كانت إيران والإسلاميون قد طردوا الاتحاد السوفييتي من أفغانستان، والولايات المتحدة من لبنان، وإسرائيل من لبنان وقطاع غزة، فيبدو أنهم على وشك طرد الولايات المتحدة من العراق. فبعد قرون من تعرض المسلمين للإذلال، يمكن القول إن هؤلاء الأشخاص باتوا يعرفون طريقهم إلى النصر. وهكذا، فقد حددت "حماس" و"حزب الله" بجرأة وتيرة المواجهة. الواقع أن المعتدلين ربما يعمدون في نهاية المطاف إلى التعامل بصرامة وحزم مع الراديكاليين، ولكن إلى أن يحدث ذلك، فلن تكون ثمة عملية سلام، كما لن تكون ثمة دبلوماسية مكوكية. وبدلاً من ذلك، سيكون الموت طريقة الاتصال الرئيسية: إطلاق الصواريخ والرد عليها، والتصعيد والتهدئة التي يستعملها الأعداء الذين لا يمكن مصالحتهم للحديث مع بعضهم البعض. ويمكننا أيضاً أن نودع عقلية الأرض مقابل السلام. ففي جميع الأزمات الأخرى، كان ثمة الأمل في أن تخف حدة التوتر في حال تنازلت إسرائيل عن الأرض ومنحت الفلسطينيين فرصة عيش حياة عادية. غير أن هذه الأزمة الجديدة تأتي عقب عمليات انسحاب إسرائيلية من لبنان وقطاع غزة، وتعثر عمليات الانسحاب من الضفة الغربية، والتي شكلت صلب برنامج إيهود أولمرت في الانتخابات الأخيرة. إن أعداء إسرائيل في الأزمة الحالية ليسوا أحزاباً وحكومات عادية تتصرف باسم شعبها، إنهم منظمة جهادية حدث أن بسطت سيطرتها على أراض جعلت منها قاعدة لعملياتها. لقد كانت منظمتا "حماس" و"حزب الله" تدركان أن عمليات الاختطاف التي قامتا بها والصواريخ التي ما فتئتا تطلقانها، ستثير ردود فعل قد تلحق الأذى باللبنانيين وسكان غزة، غير أنهم عمدوا مع ذلك إلى تنفيذ هجماتهم في سبيل الجهاد. باختصار، إن ما حدث على مدى السنوات الأخيرة الماضية هو أن الرأي العام في إسرائيل انتقل إلى الوسط في الوقت نفسه الذي انتقلت فيه سلطة صنع القرار في الجانب الآخر إلى الطرف. من جهة أخرى، يدور نقاشٌ اليوم حول الطريقة التي يتعين على إسرائيل أن ترد بها على هذا الوضع. البعض يقول إنه على إسرائيل أن تلطف من ردها بحيث يمكن للمعتدلين العرب احتواء المتطرفين. والحقيقة أنها نصيحة جيدة في حال كان للمعتدلين سجل يفيد بقيامهم بذلك في الماضي أو يؤشر على قدرتهم على القيام بذلك في المستقبل القريب. هذا في حين يرى آخرون أنه يجب على إسرائيل أن تضعف قدرات مناوئيها المتعصبين. والحال أن هذا موضوع ثانوي. أما الموضوع الرئيسي، فيتمثل في أنه في الوقت الذي تحاول فيه إسرائيل الانسحاب إلى وراء حدود معقولة، يبدو أن أعداءها قد جن جنونهم وفقدوا السيطرة تماماً. وعبر المزاوجة بين الصمت وانعدام حس المسؤولية، يبدو أن العالم العربي قد تخلى عن التحكم في الأمور لصالح محمود أحمدي نجاد وبشار الأسد، وبذلك يكون قد تنازل عن مصيره لأناس لا يؤمنون بالحرية أو الديمقراطية أو التسامح! فماذا كان رد العالم؟ كان رده أن إسرائيل بالغت في رد فعلها! ديفيد بروكس ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"