من المتوقع أن يكشف الرئيس الأميركي جورج بوش ونظيره الروسي فلاديمير بوتين النقاب عن برنامج عالمي جديد لملاحقة الإرهاب النووي، فضلاً عن رصد المواد المستخدمة في صناعة القنابل النووية وحجزها، ثم التنسيق بين البلدين إذا ما حصل الإرهابيون على السلاح النووي حسب ما أعلنه مسؤولون في الإدارة الأميركية من الذين شاركوا في المفاوضات. ويتوقع المسؤولون أنفسهم أنه خلال الشهور المقبلة ستنضم كل من الصين واليابان وباقي القوى الأوروبية الأخرى، علاوة على كازاخستان وأستراليا لتأسيس النواة الأولى للدول المشكلة لما يطلق عليه "المبادرة العالمية لمحاربة الإرهاب النووي". ويشار إلى أن هذه المجموعة غير الرسمية من الدول تستند إلى مبادرة الأميركية أخرى تسمى "مبادرة أمن الانتشار النووي" التي تضم أكثر من سبعين دولة وتهدف إلى المساعدة في رصد الأسلحة غير الشرعية واحتجازها أثناء عبورها المحيطات، أو نقلها جواً. لذا تقوم بعض الدول المشاركة في المبادرة بتنظيم تدريبات دورية في مجال تبادل المعلومات الاستخباراتية وعمليات الحجز. بيد أن مبادرة محاربة الإرهاب النووي، التي وضعت لمساتها الأخيرة في اجتماع ضم مسؤولين أميركيين وروسا بفيينا خلال الأسبوع الماضي، لا تنحصر فقط في منع دخول المواد النووية من الخارج أو رصدها في عرض البحار والمحيطات، بل تعمل أيضاً على ضبط المواد النووية داخل حدود الدول من خلال وضع معايير الحماية والرصد وتطوير استراتيجيات مشتركة موجهة للتصدي إلى الجماعات الإرهابية. وسيؤكد بوش وبوتين في البيان الذي سيصدر عنهما صباح يوم السبت بأن الخطر النووي لا يأتي من بلديهما بقدر ما يأتي من الجماعات الإرهابية التي تسعى إلى حيازة السلاح النووي. وسيوضح البيان كيفية التنسيق بين البلدين "للتقليل من النتائج المترتبة عن الإرهاب النووي، وضمان التعاون لتطوير الوسائل الكفيلة بمحاربة الإرهاب". وفي هذا السياق قال "روبرت جوزيف"، وكيل وزارة الخارجية لمراقبة التسلح والأمن الدولي ومهندس المبادرة الجديدة في حوار أجري معه بأن الخطر أصبح ملحاً لدرجة نحا البلدين خلافاتهما جانباً في مجال الطاقة وتراجع بوتين عن الديمقراطية ليتم التركيز على البرنامج الجديد ومحاربة الإرهاب النووي. ويضيف جوزيف قائلا "لدينا خلافات مع روسيا لكن لدينا أيضا مصالح مشتركة يأتي في مقدمتها التعاون لمحاربة الإرهاب النووي أحد أكبر الأخطار المحدقة بالبلدين". ويتوقع وكيل وزارة الخارجية الأميركية أن يتم عقد اجتماع تنظيمي لإحدى عشرة دولة مشاركة في المبادرة على أن تنظم دول أخرى إذا ارتأت ذلك. وقد لاقت المبادرة ترحيباً واسعاً حتى من قبل منتقدي سياسات بوش في المجال النووي، أو المتحفظين من معايير حماية روسيا لمنشآتها النووية. ماثيو بون، خبير نووي في جامعة هارفارد وأحد محرري التقرير السنوي حول الأخطار المحتملة للأسلحة النووية قال عن المبادرة "إنها خطوة مهمة جدا، لا سيما إذا نجحت الإدارة في توسيع نطاقها". وقد تضمنت الطبعة الأخيرة من الدراسة التي أصدرتها هارفارد يوم الجمعة الماضي مجموعة من التقارير تشير إلى اعتقال بعض الأفراد في شهر أبريل الماضي بحوزتهم 22 كليوغراما من اليورانيوم المخصب سرق من أحد المحطات بروسيا. ورغم أن الكمية المحجوزة كانت منخفضة التخصيب ما يجعلها غير قادرة على صناعة القنبلة النووية، إلا أن المحطة نفسها التي سرقت منها الكمية تنتج أيضا يورانيوم عالي التخصيب المستعمل في إنتاج السلاح النووي. وعلى غرار مبادرة أمن الانتشار النووي التي بدأت بمجموعة صغيرة من الدول ثم اتسعت لاحقا عبر العالم لا تستند المجموعة الحالية إلى معاهدة معينة ولا تملك مقراً عاماً، أو إدارة مركزية، بل هي تحالف مبني على هدف معين ومشكل من دول متطوعة. وفي هذا الإطار صرح أحد المسؤولين في البيت الأبيض قائلا "إذا كانت هناك من خلاصة خرج بها الرئيس بوش فهي أن الاتفاقيات تستغرق وقتاً طويلا للصياغة والتوقيع، كما أنه يصعب تعديلها لاحقا". وتحدث المسؤول الأميركي الذي رفض الكشف عن اسمه عن إحباط الرئيس الأميركي بسبب الصعوبات المحيطة بإدخال بنود أكثر حزماً على اتفاقية عدم الانتشار النووي لمنع دول مثل إيران من استغلال الثغرات الواردة في الاتفاقية وتطوير قدراتها النووية بذريعة أنها موجهة لأغراض مدنية. فالرئيس الأميركي، حسب المسؤول، يريد "سرعة أكبر ومرونة أكثر". ويذكر أن الاتفاق الجديد بين الولايات المتحدة وروسيا يأتي في وقت يستعد فيه البلدان بدء مفاوضات حول الاستخدامات المدنية للطاقة النووية التي من شأنها تمهيد الطريق أمام روسيا لتصبح أكبر مستودع في العالم للوقود النووي المستعمل. ويعتبر الحماس الذي أبدته روسيا اتجاه الاتفاقية الجديدة حول محاربة الإرهاب النووي لافتا بالنظر إلى عدم انضمامها إلى مبادرة أمن الانتشار النووي. لكنها سرعان ما انضمت بعد بدء المباحثات، وبعد النجاحات التي حققتها المبادرة مثل اعتراضها قبل أربع سنوات لسفينة ألمانية كانت متوجهة إلى ليبيا وتحمل أجهزة الطرد المركزية المستعملة في إنتاج السلاح النووي. ويجادل المسؤولون الأميركيون بأن اعتراض تلك الأجهزة ساهم في إقناع ليبيا بالتخلي عن برنامجها النووي وتسليم باقي أجزائه التي حصلت عليها من شبكة مدير البرنامج النووي الباكستاني عبد القدير خان. ولا يتوقع الخبراء أن تنضم الهند وباكستان إلى البرنامج الجديد بسبب حساسيتهما المفرطة من التفتيش الخارجي لمنشآتهما ورفضهما إلى جانب إسرائيل التوقيع على اتفاقية عدم الانتشار النووي. وإذا ما كتب النجاح لهذه المبادرة الجديدة فإنها ستضمن أمن استخدام المواد النووية عبر العالم، وستطور التكنولوجيا القادرة على رصد المعدات النووية داخل المدن، وفي مناطق التفتيش بالمطارات والموانئ. ـــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"