كان من المفترض أن تشكل قمة الثماني المنعقدة الآن بمدينة سانبطرسبورغ الروسية فرصة لثمانية من كبار قادة العالم يناقشون خلالها قضايا أمن الطاقة، وتحرير التجارة العالمية، والصحة والتربية في العالم. والواقع أن هذه المواضيع مازالت ضمن أجندة القمة، غير أن إيران وكوريا الشمالية والشرق الأوسط مواضيع أخرى تفرض نفسها بقوة على اجتماعات هذه السنة. ويمثل احتمال أن تطغى الطموحات النووية لبلدين صغيرين، إضافة إلى تصاعد العنف في الشرق الأوسط، على أشغال المؤتمر مؤشرا على مدى تغير طبيعة هذه الاجتماعات من مناقشات تركز على الاقتصاد إلى اجتماعات سياسية. ويرى بعض الخبراء أن من بين الأسباب التي جعلت اجتماعات مجموعة الثماني سياسية بشكل متزايد هو صعوبة التوصل إلى اتفاق اقتصادي في مرحلة ما بعد الحرب الباردة. وفي هذا السياق، قال "ريتشارد ماكوماك"، مساعد وزير الشؤون الاقتصادية السابق، أمام مؤتمر نظم مؤخراً في واشنطن، "أحيانا تحظى المواضيع الاقتصادية بالقسط الوافر من الاهتمام في القمم الاقتصادية لأن التوافق يكون قريباً، وبذلك يمكن الانتهاء من الأمر. وأحيانا يكون الأمر مختلفا، كما هو الحال هذه السنة، وحينها تميل السياسة إلى الاستئثار بالاهتمام". ومن بين القضايا الاقتصادية التي تشكل موضوع خلاف، وأشار إليها "ماكورماك"، هناك مفاوضات جولة الدوحة حول تحرير التجارة العالمية، والتباين بين حاجة أميركا إلى تقويم عجزها الحالي و"حاجة العالم النامي الملحة" إلى زيادة صادراته، والتوتر على خلفية المصالح المرتبطة بالطاقة في إيران. غير أن آخرين يرون أن مجموعة الثماني تعكس اختلاف مصالح الدول في عالم لم يعد مقسماً إلى شرق وغرب. وفي هذا الإطار، يقول "كونستانز ستيلزينمولار"، الخبير في القضايا الأمنية الذي يترأس مكتب "صندوق مارشال" الألماني في برلين، "ما نراه اليوم هو مواكبة مجموعة الثماني لزمانها. فثمة انقسامات اليوم بين الشركاء، بل وحتى اختلافات في القيم؛ في حين أن موضوع الانقسام إبان الحرب الباردة كان كبيراً إلى درجة أن الاختلافات السياسية لم تكن تبرز". ثم إن انضمام روسيا إلى مجموعة الدول الصناعية الكبرى عاملٌ آخر ساهم أيضاً في صعوبة التوصل إلى توافق، ولاسيما في وقت بات يتصرف فيه الرئيس فلاديمير بوتين على نحو سلطوي متزايد مع المجتمع المدني الروسي وبعض الجيران الذين كانوا جزءا من الاتحاد السوفييتي البائد. ويرى بعض الخبراء أن بوتين إنما يتحدى في الواقع القيادة الأميركية بتبنيه نظام حكم يتميز بمستوى أكبر من المراقبة والمركزية وتراجع للشفافية. وفي هذا الإطار، يقول "جوشوا مورافشيك"، الخبير في المؤسسات الدولية بـ"بمعهد المشروع الأميركي" بواشنطن، "لا أعتقد أنه يمكننا التعاون بفعالية مع روسيا. وعلينا أن نأخذ في عين الاعتبار أن روسيا في عهد بوتين لا تهدف فقط إلى تطوير تصورها الخاص للديمقراطية، وإنما لخلق توازن مضاد لنا". والواقع أن بوتين يعتزم، بوصفه مستضيف القمة، إظهار غنى روسيا، التي يصفها بـ"قوة عالمية كبرى في مجال الطاقة"، وحضورها المتزايد على الساحة الدولية. وباعتباره الشخص الذي وضع أجندة القمة، حرص بوتين على أن تركز المناقشات على أمن الطاقة– وهو الموضوع الذي يذكرنا بمؤتمرات القمة السابقة لمجموعة الدول الصناعية السبع إبان السبعينيات والثمانينيات، عندما كانت المجموعة تضم سبع ديمقراطيات غربية في مواجهة منتجي النفط الكبار في العالم. وهي الاجتماعات التي تمخضت عنها للتذكير "وكالة الطاقة الذرية"، والاحتياطات النفطية الاستراتيجية، والاتفاقات القاضية بتزويد أعضاء النادي الآخرين بإمدادات الطاقة في الأوقات العصيبة. إلا أنه في حين يرى الخبراء النفطيون أنه من اللازم أن يكون ثمة اهتمام عالمي أكبر بجيل جديد من اتفاقات أمن الطاقة، فإن قليلين منهم من يتوقعون أن يتم اتخاذ تدابير ملموسة في هذا الباب. ولعل أحد أسباب ذلك يتمثل في أن الاهتمامات تختلف وتتباين. فروسيا مزود عالمي بالنفط والغاز الطبيعي، كما أنها عارضت نوع الشفافية وحرية الاستثمارات والضمانات التي يريد المستهلكون في المجموعة، ومنهم الولايات المتحدة، رؤيتها. ويبدو أن العراقيل التي تقف أمام التوصل إلى اتفاق مهم بشأن أمن الطاقة، شديدة لدرجة أن الموضوع من المنتظر أن يطرح على طاولة النقاش حتى قبل أن يبدأ القادة الثمانية أشغال مؤتمرهم، أي عندما التقى بوش ببوتين يوم أمس السبت. وبالمقابل، يتحدث المسؤولون من كلا البلدين بتفاؤل متزايد حول إمكانية توصل الولايات المتحدة إلى اتفاق تجارة مع روسيا من شأنه أن يمهد الطريق أمامها للانضمام إلى "منظمة التجارة العالمية". وعلاوة على ذلك، فمن المتوقع أن تعلن الولايات المتحدة عن قرار البيت الأبيض بالشروع في مناقشة اتفاق تعاون نووي مدني مع روسيا. ويرى بعض المحللين أن هذه "الجزرة" التي يلوح بها البيت الأبيض هي حول الموضوع الإيراني، والفوز بتأييد روسي لاتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه طموحات طهران النووية. وفي هذا السياق، يقول روبرت إينهورن، الخبير في قضايا الأمن وحظر الانتشار بـ"مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" بواشنطن، "لقد خلصت الإدارة الأميركية إلى أنه عبر بدء المفاوضات، فإن الاتفاق سيمثل مصدر ضغط متواصل على الروس" في وقت يستمر فيه المجتمع الدولي في مواجهة الإيرانيين. ـــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"