الفحم الموجود في باطن الأرض بولاية إلينوي الأميركية يمكنه إنتاج طاقة أكبر مما ينتجها كل النفط الموجود في السعودية. وقد ثبتت نجاعة التكنولوجيا التي تحول ذلك الفحم إلى وقود للسيارات والمنازل والمصانع. وبالنظر إلى أسعار الطاقة الحالية، فقد تمهد هذه التكنولوجيا الطريق لقطاع صناعي كبير جديد، حيث استأثرت آفاق هذه الصناعة الواعدة باهتمام رجال الأعمال والمسؤولين الحكوميين على السواء، وفي مقدمتهم وزير الطاقة الأميركي الذي يسعى إلى إيجاد بدائل داخل البلاد تغني عن النفط الأجنبي. لكن ثمة مشكلة كبرى، ذلك أن إنتاج الوقود من الفحم يتسبب في كميات أكبر من غاز ثاني أكسيد الكربون، الذي يساهم في الاحترار الأرضي، مقارنة مع إنتاج وقود السيارات من النفط أو استعمال الغاز الطبيعي. وفي "إيست دوبوك"، اشترت شركة "رينتيك"، وهي شركة بحث وتطوير تتخذ من مدينة "دنفر" مقراً لها، مصنعاً كان يقوم منذ أربعين عاماً بتحويل الغاز الطبيعي إلى أسمدة، حيث ترى "رينتيك" فرصة واضحة للقيام بشيء مختلف في ضوء الارتفاع الكبير الذي تشهده أسعار الغاز الطبيعي. وفي ما يبدو حالة اختبار تترقب الشركات العاملة في القطاع نتائجها بكثير من الاهتمام، تعتزم الشركة ركوب مغامرة إعادة إحياء تكنولوجيا تقوم على استغلال فحم الولايات المتحدة الرخيص والموجود بكميات وافرة وتحويله إلى وقود شاحنات. وفي هذا الإطار، يقول "جون إيتش. دييش"، مدير المصنع: "هذا هو رهاننا وإلا، فلا أرى مستقبلاً لشركتنا". وفي ظل القلق الحالي من ارتفاع أسعار النفط وإمكانية نفاده على المدى البعيد، يرى خبراء مثل "بيل رينورت"، المدير الوطني المكلف بالتكنولوجيا المتقدمة بشركة "تويوتا"، أن تحويل الفحم إلى وقود للنقل يمثل في الواقع مستقبلاً مشرقاً وعن ذلك يقول: "إنها صفقة ضخمة". غير أن الأمر لا يخلو من سلبيات، فهذه التكنولوجيا تتطلب استثماراً مالياً كبيراً، كما أنه من شأن انهيار أسعار النفط انتفاء الجدوى من هذا الاستثمار. غير أن الاهتمام بالمشروع كان كبيراً حتى قبل ارتفاع أسعار النفط. علاوة على ذلك، فقد نظمت وزارة الطاقة قبل ثلاث سنوات ندوة حول الموضوع شارك فيه عدد من الباحثين ومديري الشركات النفطية، واهتمت بها الوكالة، التي تدير الحافلات البلدية في العاصمة واشنطن، إضافة إلى مستهلكين آخرين. والحال أن الحماس لوحده لم يكن كافياً للتغلب على المخاوف من حدوث انخفاض في أسعار النفط. غير أن أسعار وقود الديزل ارتفعت في الآونة الأخيرة مثلما ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي، ما جعل المصانع من قبيل ذلك الموجود في "دوبوك" أمراً ضرورياً للبحث عن بديل. والواقع أن جل الاهتمام منصب على إنتاج الديزل باستعمال تكنولوجيا تعرف باسم "فيشار- تروبش"، نسبة إلى العالمين الكيميائيين اللذين ابتكراها في العشرينيات، ذلك أن تكلفة الاستهلاك اليومي من الديزل ونفط التدفئة، تبلغ أكثر من 400 مليون دولار. أما سوق الغازولين فتفوق ضعف هذا المبلغ. وبالتالي، ففي حال لبت شركات مثل "رينتيك" الطلب المتزايد على الديزل، فيمكن تكييف هذه التكنولوجيا بهدف إنتاج الغازولين. ومما يجدر ذكره في هذا السياق أنه تم استعمال هذه التكنولوجيا خلال الحرب العالمية الثانية في ألمانيا، ثم خلال الثمانينيات في جنوب أفريقيا عندما كان المجتمع الدولي يفرض حظراً عليها في عهد نظام "الأبارتايد". أما اليوم، فتستعد "رينتيك" لتطوير نسخة جديدة من هذه التكنولوجيا. ومن جهتها، تبحث "ساسو"، وهي الشركة التي استعملت هذه التكنولوجيا طيلة عقود في جنوب إفريقيا، طرق استعمال هذه التكنولوجيا عبر العالم؛ كما تقوم بتعاون مع شريك صيني بإعداد دراسة جدوى حول مشروعين كبيرين لتحويل الفحم إلى سائل في غرب الصين. وفي أغسطس المنصرم اتفقت، شركة "سينتروليوم"، التي يوجد مقرها في "تولسا"، مع شركة "لينك إينيرجي" من بريسبان في أستراليا على تطوير مصنع لتحويل الفحم إلى سائل في كوينزلاند. هذا وتوجد مشاريع أخرى في مراحل مختلفة من التنفيذ في الولايات المتحدة، وإن كان المشروع المقام على نهر الميسيسبي إلى الجنوب من ولاية ويسكونسن متقدماً عليها جميعاً. غير أن الأشخاص الذين يتوقعون أن تلقى هذه التكنولوجيا إقبالاً كبيراً يفترضون نوعاً من المراقبة البيئية، لا تتوفر عليه شركة "رينتيك" حتى الآن. وهنا تجدر الإشارة إلى أن خبراء البيئة والطاقة لا يخفون تحفظهم تجاه هذه التكنولوجيا على اعتبار أنها لا تأخذ في عين الاعتبار قلق العالم حيال ظاهرة ارتفاع حرارة كوكب الأرض. والواقع أنه ما لم يعمل المصنع على الحد من ثاني أكسيد الكربون الذي ينتج خلال عملية تحويل الفحم إلى وقود الديزل، فإن حجم المساهمة في الاحترار الأرضي عند قيادة سيارة لمسافة ميل سيتضاعف. وفي هذا السياق، يقول "دانيال إي. لاشوف"، من "مجلس الدفاع عن الثروات الطبيعية": "إنها كارثة محتملة بالنسبة للطبيعة في حال مضينا في اتجاه محاولة إنشاء برنامج يقوم على استعمال الفحم في تشغيل أسطول النقل"، مضيفاً "ثمة طريق بني وآخر أخضر لاستبدال النفط. والأكيد أن وقود "فيشر-تروبش" يمضي على الطريق البني". غير أن وزارة الطاقة ترى أن للتكنولوجيا الجديدة إمكانيات كبيرة، حيث قال وزير الطاقة "صامويل كي. بودمان" خلال شهر مارس المنصرم في كلمة له إن إنتاج وقود الديزل أو وقود الطائرات من الفحم "واحد من المجالات الواعدة" في البحث وعلى قدر كبير من الأهمية تحقيقاً لأهداف الرئيس المتمثلة في الحد من واردات النفط. ـــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"