في وقت يستعد فيه زعماء الدول الأعضاء في مجموعة "الثماني" لمناقشة موضوع الطاقة في القمة المزمع عقدها اليوم في مدينة سانبطرسبرغ الروسية، اجتمعت شخصيات رفيعة المستوى من 50 بلداً يوم الخميس الماضي على ساحل تركيا المتوسطي لتدشين أنبوب استغرقت أشغال إنجازه اثنتي عشرة سنة وبلغت تكلفته 4 مليارات دولار. ومن المرتقب أن يضخ أنبوب النفط "باكو- تبيليسي- جيهان" –والمعروف اختصاراً بـ"بي تي سي"- نحو مليون برميل يومياً من النفط القادم من بحر قزوين في اتجاه الأسواق الغربية بحلول العام المقبل. وبالرغم من أن ذلك لا يمثل سوى إلى 2.5 في المئة من صادرات النفط العالمية، إلا أن المحللين يتوقعون أن يساهم المشروع الجديد في تعزيز أمن الطاقة على الصعيد العالمي. إذ طالما اعتبرته الحكومات الغربية وسيلة للوصول إلى غاز بحر قزوين من دون الاضطرار إلى إشراك إيران وروسيا. بيد أنه في ظل استمالة تركيا المتزايدة لروسيا الغنية بالطاقة، فقد يصبح المشروع أكثر تعقيداً مما يتصوره البعض. وفي هذا الإطار، يقول "بولنت علي رضا"، الخبير في الشؤون التركية بـ"مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" بواشنطن: "لقد كان القصد من وراء أنبوب نفط "بي تي سي" هو إيجاد مركز مستقل عن روسيا يربط آسيا الوسطى بالغرب"، مضيفاً "واليوم وقد استكملت أشغال إنشائه، فإن ما يدعو إلى السخرية هو أن البلد الذي يقع فيه المركز أضحى أكثر اعتماداً على روسيا أكثر من أي وقت مضى". فبعد قرون من العداء المتبادل، اتخذت تركيا وروسيا خطوات عملاقة –غير ملحوظة في الغالب- على طريق تحسين علاقاتهما خلال السنوات الخمس الماضية. علاوة على ذلك، فإن روسيا عازمة على أن تصبح الشريك التجاري الأول لتركيا بحلول العام المقبل. ومما يُذكر في هذا السياق أن روسيا تزود تركيا بـ65 في المئة من احتياجاتها من الغاز الطبيعي. غير أن الخبراء يرون أن روسيا تهدف من وراء تكريس اعتماد هذا البلد المتوسطي عليها تكريس سيطرتها وأهميتها باعتبارها مزوداً عالمياً بالطاقة. وفي هذا السياق، يقول "نجدت بامير"، الخبير في شؤون الطاقة بـ"المركز الأورو- آسيوي للبحوث الاستراتيجية" في أنقرة: "لقد أضحت روسيا تفرض شروطها على نحو متزايد"، مشيراً إلى الضغوط الروسية على تركيا بهدف دعم محاولتها في الحصول على حصة في منشآت توزيع الغاز في إسطنبول، إضافة إلى تخطيطها لإقامة منشأة ضخمة تحت- أرضية لتخزين الغاز وسط تركيا. ولعل الأهم من كل ذلك هو تلميح روسيا إلى رغبتها في بيع الغاز الروسي عبر "نابوكو"، وهو مشروع أنبوب غاز بطول 3000 كيلومتر يأمل الاتحاد الأوروبي من ورائه في إيصال الغاز القادم من أذريبجان وإيران إلى أوروبا الوسطى مروراً بالأراضي التركية وذلك بحلول عام 2011. وفي هذا السياق، تقول "زينو باران"، الخبيرة في شؤون بلدان بحر قزوين بـ"معهد هادسون" بواشنطن: "سيكون ذلك مدعاة للسخرية بالنظر إلى أن الاتحاد الأوروبي ينظر إلى نابوكو كبديل للغاز الروسي"، لافتة إلى أن الأمر لا يعني أن تركيا تقف إلى جانب روسيا ضد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي: "وإنما يعني أن أنقرة تعتقد أن بإمكانها أن تلعب على الحبلين". والحقيقة أن تركيا تهدف بالفعل إلى تعزيز موقعها مع الاتحاد الأوروبي، الذي تأمل في الانضمام إليه، في وقت تعي فيه أوروبا تمام الوعي ضرورة تنويع مصادر طاقتها، وخصوصاً بعد أن عمدت شركة الغاز الروسية المملوكة من قبل الدولة "غازبروم" إلى قطع إمدادات الغاز عن أوكرانيا، وهو ما لم تسلم العديد من البلدان الأوروبية من تأثيراته. غير أن ثمة دلائل متزايدة تفيد بأن تركيا قد تكون أساءت حساب محاولتها استمالة كل من روسيا والغرب في آن واحد. حيث حذرت وزيرة الخارجية الأميركية كندوليزا رايس في أبريل الماضي تركيا من مغبة السماح لروسيا بالحصول على حصة في أنبوب غاز يوجد قيد الإنشاء، ينتظر أن يربط بين تركيا واليونان، ويمكن تمديده لاحقاً بحيث يصل إلى إيطاليا. إلى ذلك، يقول بامير "إن تركيا تسعى إلى تنويع مصادر طاقتها، ولكنها أينما وجهت نظرها –سواء نحو إيران أو نحو العراق- فإنها تجد المشكلات"، معتبراً أنه "إذا كان علينا أن نكف عن الاعتماد على روسيا، فيجدر بالغرب مساعدتنا، بدلاً من انتقادنا". ويرى أنه من بين الأمور التي يمكن لواشنطن أن تقوم بها مثلاً تشجيع الجهود التركية الرامية إلى تأمين حقوق التنقيب في العراق المجاور. فقد تقدمت تركيا بطلب في الموضوع إلى بغداد قبل 12 عاماً، غير أنها ما زالت تنتظر الرد الرسمي. وإذا كان أحد التقارير الذي صدر مؤخراً عن "المفوضية الأوروبية" حول الطاقة يشدد على "أهمية تركيا الاستراتيجية بالنسبة لأمن إمدادات الطاقة الموجهة للاتحاد الأوروبي"، فإن المحللين يرون أنه يتعين على بروكسل التحرك بسرعة والعمل على كسر الاحتكار الروسي وإيصال غاز بحر قزوين إلى أوروبا. ويقول علي رضا المشار إليه أعلاه: "إن تركيا تعتبر، وعن حق، تدشين أنبوب غاز "بي تي سي" هذا الأسبوع مدعاة للاحتفال"، قبل أن يضيف: "غير أنه لابد من أن نعي أن اليوم إنما يمثل بداية الصعوبات، وليس نهايتها". ـــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"