هل الصدام الذي نراه في الحياة اليوم يبدأ من الفكر أم من الواقع؟ الجواب عندكم في نهاية المقال، والذي دفعني إلى كتابته المحاضرة التي ألقيتها في المجمع الثقافي في أبوظبي تلبيةً لدعوة كريمة من هيئة أبوظبي للثقافة. حيث تعرضت أثناء المحاضرة إلى تعريف التفكير، ثم عرجنا على حبكة اللقاء ألا وهو الاختلاف، فهل هو الأصل، بمعنى هل الأصل أن نكون مختلفين في طرق تفكيرنا؟ وكان جوابي هو بالإيجاب، فلله تعالى حكمة في جعلنا مختلفين في خلقنا كما هو اختلافنا في تفكيرنا. السؤال الذي أثار الدهشة عند الحضور وربما انقسموا إلى قسمين هو: هل يقود الاختلاف في التفكير إلى خلاف مما يؤدي إلى تصادم؟ لخصت تعليقي على السؤال بقولي إن الاختلاف في التفكير ظاهرة طبيعية وهو إيجابي لأن له فوائد كثيرة، كما أننا لا نتصور جمال البستان إلا مع اختلاف أزهاره وثماره كذلك البشر جمالهم يكمن في اختلافهم بشرط ألا يقودهم هذا الاختلاف إلى صراع أو صدام أو اختلاف. وهنا طرح سؤال نفسه: كيف نضمن أن الاختلاف لا يقودنا إلى خلاف؟ في تعليقي على هذا السؤال رأيت أهمية تربية الناس على حرية التفكير وإيجابيته في نفس الوقت؛ فالإنسان وُلد حراً كي يعيش كذلك ومن ضمن حريته تأتي مسألة حريته في التفكير والتعبير عن هذا الفكر على ألا يتعارض مع حرية الناس، أو لا يقود هذا الفكر الحر إلى تصرفات سالبة تهدم بدل البناء. ومن ضمن هذه الأمور التي تجعل الاختلاف لا يقود إلى خلاف وجود القواعد الكلية التي تضبط علاقة البشر بعضهم ببعض، وإلا تحولت الحياة إلى حلبة مصارعة ينتصر بها الإنسان بقوته فقط مما يقود العالم إلى الدمار. أحد معلمي التاريخ أراد أن يشرح للتلاميذ معنى الحرب، فقال لهم تخيلوا حلبة مصارعة، لها القواعد التي يعرفها الناس وبالذات المتصارعون، وأهم هذه القواعد وجود الحكَم الذي يطبق القانون، تخيلوا معي أن هذا الحكم رأى أحد المتصارعين يستخدم آلة حادة خبأها في جيبه كي يطعن بها المنافس، وبدأ هذا المصارع يستخدم آلته مرة بعد أخرى في أول مرة ظن الناس أن الحكم لا يرى ما يجري في الحلبة لكن في المرة الثانية كرر المصارع فعلته غير القانونية فما كان من الحكم إلا أن أيّده على فعله، هنا تدخل بعض أفراد الجمهور للدفاع عن المصارع المظلوم، وعندها تدخل جمهور المصارع الخصم وهكذا تحولت حلبة المصارعة من رياضة فيها بعض المتعة إلى حرب بين الحاضرين، هكذا تحول حياة الناس العادية لمشكلات وحروب في حالة وجود الحرية في الفكر والعمل دون وجود للقانون العادل والسلطة التي تطبق هذا القانون على كافة الناس. لو أسقطنا هذا الأمر على ما يجري في فلسطين هذه الأيام لرأينا بداية لحرب لا يعلم إلا الله نهايتها، فهناك ظلم يقع على الفلسطينيين من قبل الإسرائيليين، هذا الظلم يجري بعلم العالم كله منتهكاً كل قواعد القانون الدولي من قتل للأبرياء وسجن للأطفال وحصار يعصر الناس حتى الموت، ومع ذلك ولو استثنينا بعض الدول التي نددت بالأمر، فإن القوة التي نصبت نفسها للعدالة والديمقراطية في العالم تؤيد الممارسات الإسرائيلية، وعندها نتساءل هل سيقود الأمر الناس إلى السلام أم الخصام. في تصوري الشخصي، ولا أعلم كيف انتهت الأزمة مع لبنان عند كتابتي للمقال، فإنني أتوقع أن العالم يترقب أزمة جديدة خارج الشرق الأوسط على غرار ما جرى في الحادي عشر من سبتمبر قبل أعوام، فما جرى عندها كانت الأحداث قريبة لما يجري اليوم، فمن ينقذ العالم من أصحاب الفكر التصادمي؟