جرت الانتخابات البرلمانية الكويتية قبل أسبوعين بمشاركة المرأة لتنتهي بذلك الإشارة إلى أن الكويت هي الدولة الوحيدة في العالم التي تجرى فيها انتخابات برلمانية دون مشاركة المرأة، وقد جاءت نسبة مشاركة المرأة وحضورها بعكس ما كان معارضو حقوقها يروجون له بأن المطالبين بحقوق المرأة مجموعات نخبوية معزولة. كما جاء تصويت المرأة في الغالب لصالح القوى الدينية التي عارضت حقوقها، وضد القوى المدنية التي ناضلت طويلاً لتنال تلك الحقوق، وتلك حقيقة لم تفاجئ معظم المراقبين الذين توقعوا تصويت المرأة للاتجاهات المحافظة عموماً، على حساب قوى الانفتاح والمدنية. ولكن الانتخابات التي جرت في التاسع والعشرين من الشهر الماضي أتت بغالبية معارضة. كانت الحكومة تتمنى أن تتلاشى المعارضة من خلال حل المجلس والدعوة لانتخابات جديدة، ولكن ذلك لم يتم، بل جاءت نتائج الانتخابات عكسية لما كانت تتمناه الحكومة، وسقطت رموز برلمانية حكومية مهمة، كان لسقوطها دوي كبير في الشارع الكويتي. كانت مسألة تعديل الدوائر هي القشة التي قصمت ظهر البعير في نهاية التعاون بين السلطتين -مجلس الأمة والحكومة- فكانت "موقعة" "نبيها خمس" التي سمع بها القاصي والداني والتي سيطرت على شعارات القوى السياسية طيلة الحملات الانتخابية. الحكومة ترددت، في حسم مسألة الدوائر لاختلاف وجهات النظر داخلها، فكانت الجلسة الشهيرة يوم 15 مايو التي خرج منها تسعة وعشرين نائباً احتجاجاً على تردد الحكومة وتأخرها في حسم مشاريع تقدمت بها لإنهاء هذه القضية. في اليوم التالي رفض النواب المنسحبون الدخول إلى الجلسة دون دخول الجماهير الذين منعتهم الرئاسة حفاظاً على النظام. رفض نواب المعارضة الدخول إلى بيت الشعب بدون الشعب، والرئاسة رأت الحفاظ على النظام داخل بيت الشعب، فتعلقت الجلسات، وانتهى التعاون بين السلطتين فحل الأمير المجلس. المطالبون بتقليص الدوائر الانتخابية يرون في تقليصها بداية للإصلاح السياسي وتعديلاً للمسيرة الديمقراطية، بينما رأى المناوئون لتعديلها عكس ذلك. الجديد في الحالة الكويتية أن الشارع السياسي وقوى المعارضة تدخلت في التشكيل الحكومي الذي أدى القسم الدستوري أمام أمير البلاد قبل أن تتشكل الحكومة، فطالبوا باستبعاد من أسمتهم المعارضة "وزراء التأزيم"، وقد كان أكبر الغائبين الرجل القوي والشاب الطموح –الشيخ أحمد الفهد وزير الطاقة. ويعتبر هذا التدخل ظاهرة غير مسبوقة ولكن بعض المراقبين يقرؤها على أنها بداية التشكيل الشعبي للحكومات من خلال الأغلبية البرلمانية ترجمة لمبدأ دستوري ينص على أن الأمة مصدر السلطات جميعاً. الحكومة الجديدة كانت ذكية وبراجماتية، فأقدمت على نزع فتائل التوتر قبل الصدام مع البرلمان، فقامت بإبعاد "وزراء التأزيم"، وتبنت مطلب الدوائر الخمس الذي تبناه معظم المرشحين والنواب الناجحين، ووافقت على مطلب شعبي و"شعبوي" يتعلق بإلغاء فوائد قروض المتقاعدين بعد سدادهم المبالغ التي استلفوها من مؤسسة التأمينات الاجتماعية كاملة. لم تكن معركة الرئاسة بين المتنافسين التقليديين –أحمد السعدون وجاسم الخرافي- بالسخونة المتوقعة، فتم حسمها للخرافي بستة وثلاثين صوتاً مقابل ثمانية وعشرين للسعدون. تبدو أجواء التعاون بين السلطتين في الكويت متفائلة، على الرغم من تلويح نيابي مبكر باستجواب وزير الإعلام محمد السنعوسي. سيجتمع البرلمان الكويتي يوم الاثنين القادم لحسم مسألة الدوائر وفوائد المتقاعدين، ثم يبدأ إجازة الصيف، ليبدأ حراك كويتي محمود، رغم كل التوترات. وعلى الرغم من الحملات الساخنة، فما جرى ويجري في الكويت يعد مفخرة للديمقراطية العربية بغض النظر عن تفاصيل معاركه الديمقراطية السلمية. د. سعد بن طفلة العجمي