لا تستطيع بعض المؤسسات الحفاظ على موظفيها من المواطنين ولا تملك القدرة على تثبيت أقدامهم وتعميق ولاءاتهم والاستفادة من خبراتهم التي تعبوا على اكتسابها، وفي الوقت نفسه لديها الاستعداد لتصديرهم إلى الخارج من الداخل، بسبب قوة تنافس الآخرين وتقديم ميزات إضافية لاستقطابهم وجذبهم نحو مسارات من العمل تدفع بهم سنوات وظيفية إلى الأمام بدل الوقوف عند حد التشبع لدى الآخرين. إن لدينا بعض الوزارات الحكومية والدوائر المحلية والهيئات الاتحادية وأخرى بين هذه وتلك لا تملك مقومات تحفيز وتشجيع الموظف المرغوب فيه للبقاء ضمن حلقاتها ودرجاتها ومحيطها إذا ما ارتفعت الأصوات الداعية أن هلمّ إلينا. من حسن طالع بعض المواطنين وجود بعض المؤسسات التي تسعى جاهدة لاصطياد الكوادر البشرية المواطنة المميزة في حقول عملها واستعدادها التام لتسليم زمام شركات أو هيئات أو دوائر مستحدثة لإدارتها وتحمل الصعاب لتوفير سبل النجاح لها منذ البداية. إننا بدورنا نشد على تلك الأيادي التي كرمت من قبل قيادتنا الرشيدة والتي تحث الخطى نحو حرق سلم الدرجات الوظيفية التي جمدت عروق التميز في سجنها للعنصر البشري المواطن النادر. ومما يتوارد إلى ذاكرتنا في هذه المناسبة عندما قام صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي عند تكريمه إحدى الدفعات ترشيح أكاديمية شرطة دبي وقد مر أمامه شرطي أول من حملة الماجستير فلم يمهل نفسه أمام هذا المنظر حتى أعلن على الملأ الترقية الفورية أمام الحضور إلى رتبة ملازم تخطياً بذلك لأربعة عشر عاماً من السلم الإداري لكي يثبت للآخرين حين قال: "إن المتميز عندنا لا تقيده السلالم الإدارية ولا الدرجات أو الحلقات فمن وجد من المسؤولين مثل هذا الشرطي وأمثاله في المؤسسات والدوائر الأخرى فلا يتراجع عن دفعه نحو مستقبل وظيفي أفضل فإن لم تفعلوا فإني فاعل وسوف ترون ذلك" وقد فعل والشواهد تطوق أعناق كثير من المسؤولين في الدولة. لماذا تصدر تلك المؤسسات أفضل عناصرها البشرية إلى الآخرين وهي بأشد الحاجة إليها، لمَ لا تبادر إلى استحداث القوانين واللوائح الاستثنائية لضمان الحفاظ عليهم بدل تركهم بدون أدنى تردد للالتحاق بالمؤسسات التي تتميز بتنافسية عالية أما الأخريات فلا لازالت حبيسة الأنظمة الجامدة ولا تحاول رغم مرور العقود عليها الخروج من هذه الشرنقة التي ضيقت الخناق على كل من يريد أو يزيل الجمود اللاصق بكل تفاصيل الهياكل الإدارية التي لا تتسع لنفسها فكيف لها أن تتسع لغيرها. قد يقول البعض إن هذه خيارات شخصية من حق الفرد أن يتحرك ضمنها، ولا اعتراض ولكن ما نود التأكيد عليه هو أن المؤسسات أو الدوائر والوزارات التي صرفت ودفعت بهؤلاء إلى التقدم، لم تسمح بالمقابل لهؤلاء بالترقي الوظيفي ضمن عملها واختصاصاتها فقد تكدست لديهم كل أنواع الخبرات اللازمة لذلك، ولكن مساحة الحركة ضاقت على هؤلاء وهو دليل قاطع أن العناصر البشرية المؤهلة في تلك الأماكن ليست بذات القيمة التي يتم الإعلان عنها في وسائل الإعلام. لذا من البساطة عندها اللجوء إلى التصدير لأنها لا تملك فعلاً أكثر جدوى من ذلك وهكذا نجد من حصيلة ذلك ذوبان المؤسسة الأصل ونمو أخرى كانت في يوم ما تعد فرعاً من فروعها، وهكذا تتحول المنافسة من العناصر البشرية إلى المنافسة حول الأدوار والاختصاصات التي تمارسها المؤسسات الوليدة التي بدأت تسحب البساط من تحت أرجل الأخريات اللاتي كن رائدات قائدات.