تتوفر الولايات المتحدة على أزيد من 130000 جندي في العراق، موزعين على 14 كتيبة قتالية. غير أنه في وقت تشتد فيه أعمال العنف الطائفي في بغداد، يتضح يوماً بعد يوم أن نجاح أو فشل هذه الحرب لا يتوقف فقط، أو حتى بالدرجة الأولى، على جهود القوات القتالية الأميركية، وإنما يكمن بين أيدي نحو 4000 جندي –وهم أولئك الضباط الأميركيون الذين يعملون مع قوات الأمن العراقية الجديدة بصفة مدربين. يمثل هؤلاء المدربون الأعمدة التي تستند إليها القوات العراقية، ذلك أنهم من سيحدد ما إن كان الرئيس بوش يستطيع الوفاء بتعهده القائم على تدريب القوات العراقية وإعدادها حتى يتسنى للقوات الأميركية في العراق الانسحاب. كما أن الجيش الأميركي هو الذي سيلعب الدور الرئيسي في تزويد العراق بجيش يحميه ويحصنه من الفوضى التي باتت تهدده اليوم. وبالنظر إلى أهمية الدور التدريبي، يتوقع المرء أن يحظى هذا الأمر بالصدارة في قائمة أولويات إدارة بوش. غير أن ثمة مؤشرات تبعث على القلق تفيد بأن الحال هو خلاف ذلك. فبالرغم من دورهم المهم في هذه الحرب، إلا أن عدد المدربين العسكريين غير كافٍ، ذلك أن كل كتيبة عراقية، مؤلفة من 500 جندي، لا تتوفر سوى على نحو اثني عشر مدرباً، في حين أن العدد المطلوب في الواقع هو 30 مدرباً. ومما يبعث على الحزن أن أفضل ضباط الجيش يتحاشون العمل كمدربين. أما سبب ذلك فبسيط، ذلك أن فرص حصول الضباط الذين يعملون مع الوحدات الأميركية على الترقية أكبر مقارنة مع فرص أولئك الذين عملوا مع جيش أجنبي. وبسبب النقص المسجل في عدد المدربين، توجه تعليمات إلى بعض وحدات الجيش بزيادة فرق التدريب. غير أن هذه الوحدات كثيراً ما تعمد إلى إرسال "أطفالها ذوي المشاكل" –أي ضباطها الهامشيين والأقل خبرة- لمساعدة المدربين العسكريين. وهو ما يضع في الواقع عبئاً إضافياً على كاهل المدربين، الذين لا تقتصر مهمتهم في هذه الحالة على تدريب العراقيين، وإنما تمتد لتشمل أيضاً تدريب زملائهم الأميركيين غير الأكفاء. والحقيقة أن بعض قادة الكتائب الأميركية يزيدون الطين بلة حينما يطالبون فرق التدريب بإعداد تقارير وموجزات دورية. فإذا كان الجيش الأميركي يتوفر على أعداد من "جنود باور بوينت" (وهو اللقب الذي يُطلق على الضباط الذين يعدون التقارير)، فإنهم ينعدمون في صفوف الجيش العراقي. وهو الأمر الذي كثيراً ما يضطر معه المدربون إلى قضاء ساعات طوال في أداء مهام إدارية بينما كان من الأجدى أن يُستغل ذلك الوقت في تدريب الجنود العراقيين. الواقع أن الجهد التدريبي يكتسي أهمية بالغة، حيث يقوم المدربون العسكريون بتدريب نظرائهم العراقيين على طرق تخطيط عمليات مكافحة التمرد وتنفيذها، والتي يشارك فيها العشرات وأحياناً المئات من الجنود. كما يعمل بعض قادة الكتائب الأميركية على تحديد مظاهر الفساد في الحكومة العراقية والتبليغ عنها، والتي تكون مسؤولة عن عرقلة حصول الجيش العراقي على الإمدادات الضرورية. علاوة على ذلك، يعيش المدربون العسكريون ويعملون ويأكلون ويحاربون مع نظرائهم العراقيين، وذلك خلافاً للجنود في الوحدات الأميركية، والذين يعيشون في قواعد محصنة وغرف مجهزة بالمكيفات الهوائية ووسائل الترفيه. وبالتالي، فلا غرابة أن يصف العديد من العراقيين مدربيهم الأميركيين بالإخوان، في حين ينظرون إلى الولايات المتحدة بغير قليل من الشك والريبة. وفي هذا السياق، كشف الجنرال مارتن ديمبسي، الذي يعد المسؤول عن تدريب القوات العراقية وتجهيزها، أن القوات العراقية لم تخن يوماً فرق التدريب الأميركية. والواقع أن هذا النوع من الثقة هو المطلوب للنجاح في ما باتت تصطلح عليه إدارة بوش اليوم بـ"الحرب الطويلة". إن قدرة الجيش العراقي على وقف أعمال العنف تتوقف بدرجة كبيرة على جودة أداء المدربين الأميركيين. ولذلك، فمن الأهمية بمكان أن نعمل على تسخير أفضل عناصرنا لهذا الغرض، بأعداد كافية وبما يكفي من الوسائل اللازمة الكفيلة بنجاح المهمة. وهو ما يعني ضرورة مضاعفة العدد الحالي من المدربين في كل كتيبة مرتين أو ثلاث مرات. وبهدف استقطاب أفضل جنودنا من أجل العمل كمدربين، يتعين توجيه تعليمات إلى مجالس الترقية العسكرية بضرورة إعطاء الأولوية والامتياز لأولئك الضباط الذين أبلوا البلاء الحسن في أداء هذه المهمة. كما يتعين تشجيع المدربين العسكريين عن طريق الترقيات والمكافآت بهدف تحفيزهم وتشجيعهم على الخدمة فترة أطول بدلاً من سنة واحدة، كما هو الحال اليوم. ذلك أن من شأن فترة خدمة طويلة أن تمكن المدربين والعراقيين معاً من توطيد أواصر الثقة بدلاً من نسج علاقات جديدة كل اثني عشر شهراً. وينبغي أيضاً على قادة الجيش الأميركي في العراق أن يثبتوا التزامهم بتطوير القوات العراقية، وذلك عبر إدراج القادة العراقيين ضمن جهود التخطيط، والقيام بمهمات مشتركة رفقة الوحدات العراقية، ورفع كل الأعباء الإدارية غير الضرورية عن كاهل المدربين. إن زيادة الجهد التدريبي استراتيجية مربحة للجميع، ذلك أن من شأن رفع قدرات الجيش العراقي تمكيننا من تقليص عدد الجنود الأميركيين المنتشرين في العراق اليوم. أما أولئك الذين يبحثون عن مؤشرات حول درجة نجاحنا في هذه الحرب، والتاريخ الذي يمكن لجنودنا الشروع في العودة فيه إلى الوطن، فيجدر بهم أن يقيسوا تقدم هذه المجموعة الصغيرة من الجنود الأميركيين؛ ذلك أن نجاحهم هو الذي سيحدد ما إن كنا بصدد الانتصار في هذه الحرب، وبأي ثمن، ومتى. أندرو إيف. كريبينيفيتش المدير التنفيذي لـ"مركز التقييم الاستراتيجي" ومؤلف كتاب "الجيش وفيتنام" ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"