فجأة ولأسباب نجهلها، شن "حزب الله" اللبناني غارة على الحدود الشمالية لإسرائيل، وذلك يوم الأربعاء الماضي. السيد حسن نصرالله، زعيم الحزب، قال في مؤتمر صحافي إنه أمر بتنفيذ الغارة بهدف خطف جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي وقتلهم تضامناً مع "حركة المقاومة الإسلامية" (حماس) ورداً على ما يتعرض له قطاع غزة من هجمة وحشية، وذلك في سبيل الضغط على إسرائيل وحملها على إطلاق سراح السجناء الفلسطينيين المعتقلين في سجونها. غير أن الدولة العبرية سرعان ما شنت هجوماً واسع النطاق على لبنان الذي كانت قد انسحبت منه بشكل أحادي الجانب عام 2000، على غرار انسحابها من قطاع غزة في العام الماضي، لكنْ ها هي اليوم بصدد إعادة احتلال الجنوب اللبناني من جديد، تماماً على غرار ما تفعله في قطاع غزة حالياً. لقد سبق أن شاهدنا هذا الفيلم المتكرر من قبل، ولذلك فنحن بامكاننا أن نتوقع نهايته. ليس من المهم عدد المرات التي يقوم فيها المرء بعرض فيلم، ما دامت النهاية هي نفسها. إنها تعني الدمار والتشرد واللجوء والبؤس... بالنسبة للبنانيين والفلسطينيين معاً. فقد اجتاحت إسرائيل لبنان في عام 1982 وبقيت هناك حتى عام 1990. كما أنها غادرت قطاع غزة قبل نحو عام واحد، وذلك بعد أن احتلته منذ عام 1967... فلماذا نعيد الفيلم مرة أخرى إلى الوراء؟ لقد أعلن قادة الجيش الإسرائيلي عن استعدادهم لإعادة لبنان، عشرين سنة إلى الخلف عبر تخريب اقتصاده وتدمير المؤسسات والبنى التحتية فيه. والواقع أنه لا يوجد ما يبعث على الاعتقاد بأنهم لن يقدموا على فعل ذلك. ففي الوقت الذي يطالع فيه القارئ هذه السطور، تعمل المقاتلات الإسرائيلية على قصف الجسور، وخطوط شبكة الهاتف، والمطارات، والطرق التي تربط جنوب لبنان ببقية البلاد... وقد استهدفت الضربات الجوية بلدتي مرجعيون وكفر شوبا، في حين قصفت السفن الحربية الإسرائيلية الطرق الرابطة بين المدن اللبنانية. وعادت الصور المعتادة للرجال والنساء والأطفال العرب، وهم يحملون أغراضهم ويفرون في موجة نزوح جديدة، لتملأ شاشات التلفزيون. والواقع أنه من الممكن جداً أن تقوم إسرائيل بتعبئة جيشها، قبل انتهاء هذه الحلقة الجديدة، من أجل شن هجوم عسكري قاسٍ على سوريا، وذلك على الرغم من تأكيدات نائب الرئيس السوري فاروق الشرع على ألا علاقة لبلاده بما تقوم به "حماس" أو "حزب الله". لقد نقلت وكالة "أسوشيتد بريس" عن سيدة لبنانية تدعى أم فاطمة قولها "إننا خائفون، إننا خائفون منذ لحظة تنفيذ الهجوم إلى الآن. إننا خائفون"، وأم فاطمة هذه واحدة من مليون مواطن لبناني يعيشون في جنوب البلاد، والذين يتجشمون اليوم عواقب القرار أحادي الجانب الذي اتخذه الشيخ نصرالله. وأضافت أم فاطمة أن ابن عمها، ويدعى محمد صغير، كان واحداً ممن لقوا مصرعهم خلال الرد الإسرائيلي الأول على عملية "حزب الله" والذي اتخذ شكل غارة جوية استهدفت أحد الجسور، قائلة "إن الأمر لن يكون من شأنه سوى زيادة المصاعب والمشاق بالنسبة لنا". والحقيقة أننا سنكون عديمي المسؤولية إذا نحن لم نتوقف للحظة من أجل التأمل والتدبر. فخلال أزيد من خمسة عشر عاماً، دأب نصرالله على القول إنه يحرص على التنسيق مع كل من دمشق وطهران. غير أن المرء يصاب بالحيرة حقاً ويتساءل بخصوص الأسباب التي دفعت زعيم "حزب الله" إلى عدم التشاور مع حكومة بلده لبنان؟ الحقيقة أننا نرغب كثيراً في تصديق نائب الرئيس السوري فاروق الشرع عندما يقول إنه ليست لسوريا علاقة بـ"حماس" أو "حزب الله"! غير أن سؤالاً يفرض نفسه بإلحاح في هذا المقام، ذلك أن خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لـ"حماس"، يعيش في سوريا، وفيها يعقد مؤتمراته الصحفية. ثم إن قادة حرس الثورة الإيراني العسكريين الذين يعملون مع "حزب الله" يعبرون الأراضي السورية كل يوم، إضافة إلى الأطنان من شحنات السلاح الإيرانية الموجهة إلى "حزب الله". وبالتالي، فحتى في حال صدقنا ما يصرح به الشرع من باب التضامن العربي، فهل يعتقد أن الإسرائيليين وبقية العالم ستفعلون الشيء نفسه؟ أما بالنسبة للفلسطينيين، فثمة سؤال كبير أيضاً لا يقل أهمية، فقبل أن يقوم "حزب الله" بما قام به في إسرائيل، كانت القوات الجوية الإسرائيلية منهمكة في تدمير قطاع غزة، حيث استهدفت قذيفة إسرائيلية منزل نبيل أبو سلمية، الناشط في حركة "حماس" والمحاضر في الجامعة الإسلامية بمدينة غزة. وحسب ما أوردته وكالة "أسوشيتد بريس"، فقد أدى الهجوم الإسرائيلي إلى مصرع "أبو سلمية" إضافة إلى مصرع زوجته وسبعة من أطفالهما التسعة، هذا في حين يعتبر العديد من الأشخاص في عداد المفقودين، وأصيب 37 آخرون بجروح. إنني على يقين أن "أبو سلمية" سيذهب إلى الجنة لأنه مات "شهيداً"، غير أن السؤال الذي يفرض نفسه هو: لماذا أخذ معه أبناءه وزوجته وأقاربه؟ فربما كانوا يرغبون في العيش. على أن أكبر سؤال هو كالتالي: هل نعتقد -نحن العرب- أننا رخيصون إلى درجة أن 3 أو 4 إسرائيليين، أحياء كانوا أو أمواتاً، يعادلون في قيمتهم عشرات الآلاف من سجنائنا، إضافة إلى مئات الآلاف من مواطنينا أصبحوا عرضة للتشرد داخل أوطانهم؟ أين هو الشرف يا ترى في هذه المعادلة؟ الواقع أنني لا أرى الإسرائيليين ينهارون خوفاً، حازمين أمتعتهم وآخذين أطفالهم معهم للعودة من حيث أتوا أو أتى آباؤهم قبل خمسين عاماً! ما أراه اليوم هو المئات من الدبابات الإسرائيلية وأعداداً من طائرات "إف- 16" و"إف- 15" الحربية المزودة بالقنابل الذكية والأقل ذكاءً... بصدد تدمير لبنان وقطاع غزة، ومن المرجح جداً أن تنضم إليهما سوريا أيضاً، هذا في وقت تواصل فيه الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مطالبتها "حزب الله" ودمشق و"حماس" بإطلاق سراح الجنود الأسرى. الواقع أنني ما كنت لأسمي الوضع الحالي نصراً عربياً!