هل هناك عنصرية مضادة للمسلمين؟ هكذا تساءل الكاتب الأميركي المتحيز للصهيونية "دانيل بايبس" في مقالة له منشورة على شبكة الإنترنت. والواقع أن هذا التساؤل يثير من جديد العلاقات المعقدة بين الغربيين والعرب والمسلمين. والتي شكلت سماتها في الذاكرة التاريخية الغربية الحروب الصليبية وما دار فيها، وغزو الإمبراطورية العثمانية لأقاليم أوروبية متعددة. غير أننا إذا تجاوزنا هذه الحقب التاريخية القديمة وانتقلنا إلى العصر الحديث، فإن الحقبة الاستعمارية الأوروبية للعالم العربي هي التي شكلت ولاشك الاتجاهات الغربية العربية الإسلامية المعقدة. ولو اعتبرنا غزو الحملة الفرنسية بقيادة نابليون لمصر بداية هذا الاحتكاك العنيف بين الغرب ممثلاً في فرنسا والشرق العربي الإسلامي ممثلاً في مصر، لاستطعنا من خلال تشريح هذا الحدث التاريخي ورصد أصدائه بين الفعل ورد الفعل فهم العديد من إشكاليات العلاقات بين الغرب والعرب والمسلمين في الوقت الحاضر. ومما لاشك فيه أنه منذ الصدمة الحضارية التي أحدثتها الحملة الفرنسية التي جاءت معبرة عن التقدم الغربي لأنها جاءت ومعها معامل علمية متقدمة، واصطحبت معها فرقاً متكاملة من العلماء والباحثين. ويشهد على ذلك أنهم أنجزوا السِّفر التاريخي المهم "وصف مصر" من النواحي الجغرافية والتاريخية والاجتماعية والثقافية. وكشف التقدم الفكري والسياسي عن نفسه في المصطلحات التي ترددت في منشورات الحملة الفرنسية الموجهة للمصريين من قبيل "الجمهورية" والدستور" "وسيادة القانون". وقد تعمد بعض علماء الحملة إبهار القيادات الفكرية المصرية وعلى رأسها مشايخ الأزهر بالتقدم العلمي الفرنسي من خلال دعوتهم لزيارة المعامل الفرنسية وإجراء بعض التجارب الكيمائية أمامهم. ولعل مؤرخنا العظيم "الجبرتي" كان خير معبر عن الانبهار المصري بالتقدم العلمي الغربي حينما قرر أن هذه أشياء لا تدركها عقولنا! وهكذا منذ فترة مبكرة حقاً اعتبر الغرب بما يمتلك من عناصر التقدم المادية والفكرية هو النموذج. غير أنه -ويا للمفارقة- اعتبر الغرب في نفس اللحظة التاريخية أنه العقبة في سبيل تقدم العرب والمسلمين بحكم استعماره لبلادهم. ويمكن القول إن إشكالية الغرب باعتباره النموذج والعقبة عاشت معنا حتى اليوم. إنها الإشكالية التي واجهت طلائع المتنورين العرب الذين وجدوا في الفكر الغربي وخصوصاً شعارات الثورة الفرنسية في "الحرية والإخاء والمساواة" وحياً لهم في صياغة مشاريع النهضة العربية. غير أنهم وجدوا أنفسهم في نفس الوقت في ميادين القتال ضد الاحتلال الغربي في العديد من البلاد العربية سعياً وراء الاستقلال الوطني. وحتى بعد أن نالت الدول العربية استقلالها من خلال أساليب متنوعة تراوحت بين التفاوض مثل مصر (1954) أو القتال الشرس مثل الجزائر في حربها النضالية ضد الاستعمار الاستيطاني الفرنسي، فقد بقيت مشكلة الهيمنة الغربية. ويرد ذلك إلى أن الدول الغربية الاستعمارية وعلى رأسها إنجلترا وفرنسا لم تقبل بزوال حكمها الاستعماري للبلاد العربية، وإنما أرادت اعتقال القرار الوطني العربي من خلال بسط هيمنتها السياسية والاقتصادية على مقدرات عديد من البلاد العربية. ولعل المثال البارز لذلك مؤامرة العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 والتي جاءت رداً على "تمصير" مصر لقناة السويس، فقد تآمرت إنجلترا وفرنسا وإسرائيل لغزو مصر وإعادتها من جديد تحت السيطرة الاستعمارية. ويضاف إلى النزعات الاستعمارية الغربية عامل مهم جديد وهو دخول الولايات المتحدة الأميركية ساحة سياسات الشرق الأوسط بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945، فقد رأت -حماية لمصالحها في النفط العربي- أنه لابد لها أن تملأ فراغ الانسحاب البريطاني من المنطقة، فدخلتها من خلال تدعيمها المطلق للدولة الإسرائيلية التي اعتبرتها حليفها الاستراتيجي من ناحية، وتأييدها لبعض النظم العربية التقليدية في مواجهة رياح الحداثة السياسية من ناحية أخرى. غير أن ما حدث بعد الأحداث الإرهابية التي شنت ضد مراكز القوة والهيمنة في الولايات المتحدة الأميركية شيء يفوق بكثير كل ما ورد في سجلات تاريخ هذه العلاقات المضطربة. فالذي قام بالأحداث الإرهابية مجموعة من العرب والمسلمين، بتحريض من تنظيم "القاعدة" الذي يترأسه أسامة بن لادن الحليف القديم للولايات المتحدة الأميركية من أيام "الجهاد" ضد السوفيت في أفغانستان. وشاركت في تمويل الإرهاب -كما يقرر تقرير 11/9 الذي أصدرته اللجنة الأميركية ببحث تفاصيل الأحداث- شبكات تمويل إسلامية وكذلك بنوك ومؤسسات خيرية إسلامية، حسب نفس المصدر. ومن هنا فإن حرب الولايات المتحدة الأميركية ضد الإرهاب التي أعقبت أحداث الحادي عشر من سبتمبر، والتي توجهت أولاً لغزو أفغانستان للقضاء على نظام "طالبان" صاحبتها مشاعر واتجاهات عدائية عامة إزاء المسلمين والعرب وتجلت هذه الاتجاهات العدائية في الخطاب السياسي والخطاب الإعلامي الأميركي والغربي بشكل عام. وبالرغم من أن المناخ الثقافي العالمي سادته في العقد الأخير المناظرة الكبرى بين أطروحة "صراع الحضارات" التي عبَّر عنها المفكر الأميركى "صمويل هنتينغتون" و"حوار الثقافات" التي عبر عنها الرئيس السابق "محمد خاتمي" في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلا أن تطورات الأحداث أدت إلى نوع من أنواع "صراع الحضارات"، وخصوصاً بعد أن وجهت حملات متعددة ضد العرب والمسلمين وكأنهم إرهابيون بالطبيعة، وضد الإسلام باعتباره ديناً يحض –كما يزعمون– على العدوان والإرهاب وكراهية الآخر. والواقع أن الغرب –كما قررنا أكثر من مرة– ليس كتلة صماء واحدة، وهكذا فالثقافة الغربية عموماً والثقافة الأميركية خصوصاً تنطوي على تيارات متعددة. هناك تيارات عنصرية صريحة كما قررنا في تحليلنا السابق بصعود "العنصرية الجديدة"، غير أن هناك تيارات تقدمية تؤمن بضرورة قبول الآخر وأهمية احترام ثقافته. وهكذا يمكن القول إن العلاقات بين الغرب والعرب والمسلمين يؤثر عليها إلى حد كبير الصراع الفكري الدائر في الدوائر الغربية ذاتها بين العنصريين المعادين للعرب مثل المؤرخ الأميركى "برنارد لويس"، والكاتب السياسي "دانيل بايبس" والكتَّاب التقدميين أمثال الروائي الأميركي الشهير "جور فيدال" والمؤرخ الأميركي المرموق "هوارد زين" وغيرهما عشرات من ذوى الرؤى السياسية الصحيحة والضمائر الحية. غير أنه –لكي نكون منصفين ومن باب النقد الذاتي– نحن العرب والمسلمين بأفعالنا وسياستنا نسهم في تقديم صورة مشوهة لنا. وبعبارة أخرى تعتبر العلاقات الغربية– العربية الإسلامية هي محصلة تفاعل بين اتجاهات وقيم عربية سلبية موجهة بدون تمييز ضد الغرب والغربيين، وكذلك اتجاهات وقيم غربية سلبية موجهة أيضاً بغير تمييز ضد العرب والمسلمين. والسؤال هو: وما الحل؟ أحد الحلول الأساسية التي اقترحناها ضرورة رسم خرائط معرفية دقيقة للغرب، ورسم خرائط معرفية دقيقة أيضاً للعرب والمسلمين. وذلك حتى نميز بين التيارات والإيديولوجيات المختلفة، ونقيس الوزن النسبي لكل تيار منها عنصرياً وعدائياً كان أو تقدمياً وقابلاً للحوار. غير أنه بالإضافة إلى ذلك، لابد من تحليل نقدي للنظريات التي يصوغها كل طرف عن الآخر، واضعاً في الاعتبار سطوة التفكير التآمري في هذه الصياغة. فعلى سبيل المثال: هل هناك مشروع سري للحركات الإسلامية لغزو الغرب كما تزعم بعض المراجع الغربية؟ وهل هناك مشروع ثقافي للتغريب الثقافي لأوروبا؟ ومن ناحية أخرى: هل هناك مشروع أميركي لبسط الهيمنة الأميركية على العالم عموماً إلى الأبد كما يقرر ذلك بعض المراجع العربية بل وبعض المراجع الأميركية الموثوقة؟ سنرى.