في إطار الجدل الساخن بين نقابة الصحفيين المصرية وبعض نواب البرلمان المنتمين إلى حزب الحكومة، حول تعديل بعض مواد قانون العقوبات المتصلة بجرائم النشر، انفجرت مسألة "القوائم السوداء"، وهو انفجار يثير جدوى هذه القوائم وما إذا كانت تخدم الحوار الديمقراطي، أم تهدم أحد أركان العملية الديمقراطية. لقد أعلنت وكيلة مجلس الشعب المصري الدكتورة زينب رضوان، أنها تلقت خطاباً من سكرتير عام نقابة الصحفيين يتضمن مجموعة اعتراضات على مشروع القانون المقدم من الحكومة لتعديل بعض مواد قانون العقوبات، وأشارت إلى أنها قد توقفت أمام قرار للنقابة ورد بالخطاب، يفيد أن النقابة ستقوم بإعداد قائمة سوداء لأعداء الصحافة تضم أسماء نواب البرلمان الذين يؤيدون مشروع الحكومة ويرفضون مشروع النقابة. وقد سجلت وكيلة المجلس في نهاية كلمتها اعتراضها على مسألة القائمة السوداء باسم مجلس الشعب. في المقابل انفجر بعض أعضاء المجلس المنتمين إلى الحزب الوطني الحاكم، ولوّح بعضهم باستخدام نفس سلاح القوائم السوداء ضد الصحفيين الذين يعمدون إلى ابتزاز الإعلانات من رجال الأعمال خاصة نواب البرلمان. في تقديري أن استخدام "القوائم السوداء" في إطار جدل من المفروض أن يكون ديمقراطياً، ومبنياً على الحجة والإقناع والاستمالة الفكرية، هو معول يفجر روح الحوار ويحولها إلى حالة استفزاز متبادل لا يبني جسوراً بين الفريقين المتحاورين، بل يشيد حواجز مانعة للتفاهم والتقارب. إن الدليل على الدور السلبي الذي تؤديه الوسائل غير الديمقراطية في تفجير جسور الحوار الديمقراطي، هو ذلك التقرير الذي نشرته صحيفتا "الوفد" و"المصري اليوم" حول التداعيات التي جرت في جلسة اللجنة التشريعية بالبرلمان وبعدها. لقد بين هذا التقرير المنشور يوم الجمعة الماضي بالصحيفتين، أن حالة من الهياج قد انتابت نواب الحزب الوطني وأنهم عبروا بأشكال حادة عن الاحتجاج على قرار الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين بنشر قائمة سوداء بأسماء النواب المتورطين في تأييد قانون الحكومة الخاص بجرائم النشر، وتسميتها بقائمة "أعداء الحرية والشعب" طبقاً لما هو منشور في "المصري اليوم". وتضيف الصحيفة أن نواب الحزب الوطني رفضوا طلب النقابة بعقد جلسة استماع خاصة بمجلس الشعب لسماع وجهة نظر النقابة في المشروع، وأن بعض النواب كشف عن عدائه لحرية الصحافة. أما صحيفة "الوفد" فقد أبرزت في صفحتها الأولى، بعض ردود الفعل الحادة على ألسنة بعض أعضاء الحزب الوطني على النحو التالي: "نرفض أي دور للنقابة"، "أؤيد حبس الصحفيين"، "أتهم الصحفيين بالابتزاز"، لقد جاءت هذه التعبيرات منسوبة لأصحابها في مانشيتات "الوفد" بأسمائهم. في اليوم التالي تصاعدت التداعيات، حيث نشرت "المصري اليوم" صباح السبت، أن عدداً من أعضاء نقابة الصحفيين ومجلسها يتجهون إلى مقاضاة عدد من نواب الحزب الوطني بتهمة السب والقذف العلني ضد الصحفيين. وجاء مانشيت الصحيفة بالصفحة الأولى يقول: (نقابة الصحفيين تتجه لمقاضاة نواب "الـ..." و"الابتزاز"). إننا إذا ما استخدمنا حساب الربح والخسارة لنرى ماذا جنته قضية حرية الصحافة، من إشهار سلاح "القوائم السوداء" المتبادل بين فريقين من أهم النخب السياسية في المجتمع، سنجد أن مؤشر الحساب يسجل خسارة فادحة. لقد خسرنا حالة الاحترام المتبادل بين الفريقين، كما خسرنا انقطاع جسور الحوار الذي كان يمكن أن يؤدي إلى تقارب في وجهات النظر حتى لو كانت فرص هذا التقارب ضعيفة، نتيجة لتشبث كل طرف برؤيته لمسار التعديلات القانونية منذ البداية. إنني أعتقد، كأحد الكتاب الحريصين على كفالة كافة الضمانات القانونية اللازمة للموازنة بين حرية الصحافة والتعبير والنقد، وبين حقوق الأفراد والمجتمع في عدم المساس بسمعتهم أو حرمات حياتهم دون سند.. أننا ما زلنا نحتاج إلى بناء الجسور للحوار الديمقراطي حول الصياغات القانونية التي تحقق لنا هذه الموازنة، وهي حاجة تفوق في قيمتها وأهميتها لكافة قوى المجتمع مسألة استخدام القوائم التي تسود سمعة من يخالفوننا في الرأي وتنسف جسور الحوار الديمقراطي بين أصحاب الآراء المختلفة.