يوم 9 يوليو هو اليوم الذي يوافق الذكرى السابعة لاحتجاجات الطلاب عام 1999 التي باغتت إيران في فترة ما بعد الثورة الإسلامية. ففي ذلك اليوم، وبعد أن كانت الحكومة قد أغلقت بالقوة عدداً من المنافذ الإعلامية الليبرالية، وقامت بهجوم منسق ضد أحد عنابر النوم في المدينة الجامعية التابعة لجامعة طهران، تدفق الطلاب الإيرانيون إلى الشوارع بالآلاف، رافعين أصواتهم بالاحتجاج على ما حدث، قبل أن يتم إخراس تلك الأصوات بقسوة على أيدي "الحرس الثوري" التابع للمرشد الأعلى للثورة الإسلامية "آية الله علي خامنئي". لن يحتفل النظام الإيراني بالطبع بذكرى هذا اليوم، ولكن الغريب أن المعارضة لن تحتفل به أيضاً، ما السبب في ذلك؟ يرجع السبب في ذلك إلى أن الحركة الطلابية الإيرانية قد أصبحت أشلاء متناثرة، وتحولت إلى شراذم منقسمة على نفسها، غارقة في الحيرة، وفاقدة للاتجاه، وبالتالي فإنها لا تجد سبباً يدعوها للاحتفال. وفي مناقشات مطولة أجريتها مع بعض الطلاب -ومنهم من شاركوا في تلك المظاهرات- فإنهم جميعاً طلبوا مني عدم ذكر أسمائهم خوفاً على سلامتهم الشخصية، وأجمعوا على أن إيران ليست بحاجة إلى ثورة أخرى بقدر ما هي بحاجة ماسة إلى إجراء إصلاحات على النظام الحالي. والمناخ السائد حالياً في جامعة طهران يتسم بهدوء غريب، بحيث لا يمكن لأحد أن يقول إن هناك شيئاً قد بقى في تلك الجامعة من احتجاجات 1999، التي كانت أبرز حالة من حالات التعبير عن الاحتجاج، وأكثرها صخباً، منذ اندلاع الثورة الإسلامية في إيران عام 1979. كانت تلك الاحتجاجات موجهة ضد حكم "آيات الله"، وكان لها دور في إبراز الانقسام القائم في الآراء بين الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي، الذي كان في منتصف فترة حكمه في ذلك الوقت، وبين المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي. وكان خاتمي الذي حاول في ذلك الوقت، التخفيف من قبضة خامنئي على القضاء وقوات الأمن، ووسائل الإعلام، يواجه معارضة قوية من رجال الدين، قبل أن يخرج الطلاب لمساعدته. كانت تلك التظاهرات تسعى إلى إجراء إصلاحات على النظام القائم في البلاد منذ اندلاع الثورة الإسلامية وإلى إيجاد نوع من الديمقراطية الإسلامية التي تتفق مع دستور البلاد. هذا الإصلاح لم يتحقق بالطبع، بل إنه تم تهميشه تماماً الآن تحت حكم الرئيس المتشدد "محمود أحمدي نجاد". فالموضوع الذي يهيمن على المشهد السياسي الإيراني في الوقت الراهن هو الموضوع النووي. فالمواجهة التي يخوضها النظام مع الغرب، قد جعلت الجمهور الإيراني أكثر استعداداً لتقبل الأساليب السلطوية للنظام، وهو ما يؤدي إلى تهميش الإصلاحيين من ناحية، ويجعل أي حديث عن حقوق الأفراد والحريات المدنية أمراً غير ذي صلة على الإطلاق. والحركة الطلابية تريد إعادة بعث عملية الإصلاح، ولكنها لا تعرف كيف يمكن لذلك أن يتم. والحقيقة أنه يمكن أن يُقال إن الحركة الطلابية لم تجد مكاناً لها في الواقع السياسي الجديد لإيران، وإن موقفها تحول من سياسة إجراء تغيير على الواقع إلى سياسة البقاء على قيد الحياة من خلال عدم الفعل، لأنها تعرف جيداً أن أي محاولة للفعل ستورطها في مواجهة مع النظام القائم. فالحرس القديم من الطلاب الذين قادوا مظاهرات 1999 هم الآن إما وراء القضبان أو وراء الحدود، ومن تبقى منهم في طهران يريد الخروج بأي ثمن. والقادة الجدد "الليبراليون" لاتحاد الطلاب المسمى "دفتري تحكيم وحدات"، ليست له بنية محددة، كما أنه يعاني من الضعف والتشرذم. والبيانات التي يصدرها هذا الاتحاد تتبنى النموذج الماركسي، والخطط السريالية الشيوعية للتغيير. ومعظم أعضاء هذا الاتحاد هم من الطلاب الإيرانيين الفقراء الذين جاءوا من محافظات ريفية, والذين وجدوا أنفسهم في صدام مع الأساليب البرجوازية للحياة في العاصمة. وهم يرون أن الاتجاه "يساراً" يمثل نافذة للتغيير، ولكنهم لا يمتلكون قاعدة أيديولوجية حقيقية ولا إحساساً بالاتجاه. وعلق أحد قادة تظاهرات 1999 الطلابية على وضع الحركة حالياً بالقول "إن الحكومة قادرة على سحق هذه الحركة في أي وقت تريد، ولكنها لا تفعل ذلك، لأنها تدرك أنه من الأفضل لها أن تكون هناك معارضة ضعيفة بدلاً من عدم وجود معارضة على الإطلاق، لأن ذلك يصب في مصلحة النظام لأنه يجعله يبدو أكثر ديمقراطية". ويقول طالب آخر ممن شاركوا في تلك الانتفاضة: "إن كل شخص يتحدث عن التغيير الجذري، ولكن لا أحد يريد أن يقوم بشيء حقيقي من أجل تحقيقه، كما أنهم لا يريدون لهذا التغيير أن يأتي من أميركا... نحن بحاجة إلى إعادة تجميع الحركة الطلابية، والحركة النسائية، والحركة العمالية، وحركات الأقلية العربية من أجل خلق جبهة موحدة تقوم بالتصدي لأفكار النظام الراديكالية". وعندما سألت هذا الشخص عن مدى إسهامه في الحركة الطلابية قال لي إنه يقوم حالياً بتأليف كتاب وإنه "يستغل احتجاجات طلاب الولايات المتحدة في أواخر الستينيات كي يبين للطلاب أن الثورة والراديكالية مصيرهما في النهاية الإخفاق التام" وأضاف قائلاً: "قد تأتي الدروس من أميركا في نهاية المطاف، ولكنها ستكون دروساً عن الإصلاح وليس عن الثورة". فوتيني كريستيا ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست" ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ زميلة مركز "ويزرهيد" للشؤون الدولية بجامعة هارفارد، وتعمل حاليا في المركز الدولي للدراسات الفارسية بجامعة طهران