خرجت المرأة الكويتية من غمار أول معركة انتخابية تشارك فيها، صفر اليدين، ولم تستطع (27) مرشحة تنافسن للوصول إلى مجلس الأمة 2006، غزو هذا البرلمان العريق في الذكورية، وذلك بالرغم من كثافة التصويت النسائي والأغلبية العددية للناخبات (108805) ناخبة مشاركة في مقابل (108255) ناخباً مشاركاً. تحليلات المراقبين أرجعت هذا الفشل الذريع للمرأة الكويتية إلى جملة أسباب، منها هيمنة الثقافة الذكورية على المجتمع، تسلط الأزواج والآباء على الصوت النسائي، خضوع المرأة لخيارات القبيلة والطائفة، عدم ثقة المرأة الناخبة في المرأة المرشحة استناداً إلى قناعات سائدة لدى النساء بأن "السياسة" من صميم عمل الرجل لا المرأة التي لا مكان لها في مجلس الأمة الذكوري. إضافة إلى "الغيرة" النسائية الطبيعية التي جعلت (6) مرشحات يتنافسن في دائرة واحدة فتشتتت الأصوات وخسرن جميعاً، ولو اتفقن منذ البداية على واحدة منهن لكان أجدى. المرشحة رولا دشتي أكثر المرشحات نشاطاً وكفاءة وشهرة، ومع ذلك فقد كان الفارق بينها وبين المرشح الأول صالح الفضالة في دائرتها، كبيراً، إذ حصلت على (1539) صوتاً مقابل (5217) للفضالة، ومعظمها أصوات نسائية فضلت الرجل على المرأة دون أي اعتبار للكفاءة العلمية. ما أريد أن استنتجه من دروس الانتخابات الكويتية وأقوله، وقد قاله غيري من قبل: إن المرأة لن تصل إلى قبة البرلمان مهما كانت كفاءتها ومهما بذلت من جهد، يستحيل أن تنجح امرأة واحدة في انتخابات حرة، إلا بسلطان قوي وقاهر سواء في الكويت أو البحرين أو قطر أو الإمارات، أو حتى بقية الدول العربية، لأن الثقافة الذكورية حاكمة، والعصبية القبلية والطائفية متمكنة، والقناعات الثقافية السلبية ضد المرأة سائدة. لا يمكن للمرأة أن تفوز بجهودها -وحدها- مطلقاً في بيئة مجتمعية رافضة لدور المرأة السياسي، التركيبة السياسية والاجتماعية لمجتمعاتنا مبنية على الثقة بالرجل وحده في القيادة والتشريع وصنع القرار والرقابة والمحاسبة، هي هكذا طوال (15) قرناً وستستمر إلى ما شاء الله. علينا أن نعترف بذلك وكفانا خداعاً للنفس وخداعاً للمرأة بترديد عبارات مثل: (لا تحزني أيتها الكويتية، فهذه "بروفة" لانتخابات 2010)، أو (أيتها الكويتية لقد أصبحت قوة سياسية يحسب حسابك)، أو (لقد نجحت في التجربة وأثبتِّ وجودك)، (ليس ذنبك وإنما ذنب المجتمع الذكوري). هذه العبارات تدخل في باب المجاملة وجبر الخواطر ولا تعبر عن حقيقة واقع مجتمعاتنا الفعلي، وتجارب قرن كامل أكدت أن مجتمعاتنا عندها القابلية للتغيير والتطوير في جميع شؤوننا إلا شأناً واحداً هو كل ما يمسّ المرأة، فلن تغير مجتمعاتنا نظرتها إلى المرأة مهما تعلّمت المرأة وأثبتت كفاءتها وتولت مناصب قيادية وحققت إنجازات معرفية وتنموية لسبب واحد هو: كونها أنثى، وليس الذكر كالأنثى. فقط للتدليل، النائب فيصل المسلّم الذي فاز بصوت المرأة، كان أول مكافأة يقدمها للمرأة أن صرّح بعد فوزه بأنه ضد توزير المرأة! الذين يراهنون على نضج المجتمع العربي بفعل التعليم والتحديث والإعلام والإصلاح السياسي واهمون، لأن المزاج العام لمجتمعاتنا -بالرغم من جهود نصف قرن تنويراً وتحديثاً- أصبح أكثر محافظة وانغلاقاً وتشدّداً، والدليل نتائج الانتخابات في كل الدول العربية، مصر، فلسطين، البحرين، المغرب، الأردن، وأخيراً الكويت، لدرجة أن بعض الصحف الفرنسية قالت: الانتخابات جاءت بـ"حماس" كويتية للبرلمان. لقد أصبح الأكثر تشدداً والأعلى صراخاً نجماً إعلامياً ومجتمعياً يكسب الانتخابات، وليس هذا فحسب بل الأكثر معارضة لحقوق المرأة هو الأكثر قبولاً لدى الأوساط الشعبية والأكثر جاذبية لأصوات النساء، بدليل نتائج انتخابات الكويت. لقد سقط كل مؤيدي المرأة ونجح معارضوها، وبفضل المرأة التي لم تكتف بخذلان المرأة المرشحة، بل عاقبت الرجل الذي وقف معها وتحمّل الكثير من أجلها -عواد برد، نموذجاً- حتى قيل (اتقِ شر من أحسنت إليه)! عوامل التمايز واللاعدل راسخة الجذور في التربة المجتمعية العربية، وواقع المجتمع الخليجي وطبيعة الثقافة السياسية والاجتماعية السائدة كلها ضد المرأة! وليس من المنتظر أن تتغير تلك الطبيعة في الأمد القريب، فهل كتب على المرأة أن تظل محجوبة عن مجلس التشريع والرقابة وصنع القرار؟ ولا حلّ أمام حكوماتنا إلا نظام "الكوتا" المعمول به عالمياً. سواء في مجالس التشريع أو صنع القرار أو التنظيمات المجتمعية المختلفة. والذين يراهنون على نضج المجتمع واهمون أو ساذجون، هناك مجتمعات أكثر نضجاً منا وأكثر عراقة في الديمقراطية تأخذ بنظام "الكوتا"، كالسويد التي خصصت 46% لنسائها والدانمرك 38% وفنلندا 37% وهناك (80) دولة تأخذ بـ"الكوتا". الذي يقول: إن نظام "الكوتا" يخالف الديمقراطية، لا يعرف حقيقة الديمقراطية، والذي يقول: إن على المرأة أن تثبت أحقيتها وجدارتها! إما أنه يتجاهل واقع مجتمعنا أو يريد استغفالنا. كيف تستطيع المرأة إثبات كفاءتها في مجتمع مناهض لها؟! وكيف تستطيع المرأة النجاح في منافسة انتخابية تفتقد مبادئ تكافؤ الفرص؟! الذين يقولون إن المنافسة الانتخابية هي معيار الديمقراطية، يتناسون أنه لا يصح المعيار إلا للرجال دون النساء اللواتي يفتقدن الحد الأدنى من شروط تكافؤ الفرص. ولذلك لجأت التشريعات العالمية وبخاصة اتفاقية القضاء على أشكال التمييز ضد المرأة، إلى أن اتخاذ تدابير خاصة مؤقتة بهدف التعجيل بالمساواة الفعلية بين الرجل والمرأة لا يُعدّ (تمييزاً) بالمعنى السلبي. وإذ لا مساواة حقيقية في مجتمعاتنا بسبب عوامل تاريخية وثقافية موروثة، هضمت حق الجنس الأضعف فلا مفر من "الكوتا" لتحقيق المساواة الفعلية وضمان التمثيل السياسي العادل للمرأة. ودساتيرنا وتشريعاتنا تعرف ما يسمى بـ"التمييز الإيجابي" لمعالجة أوضاع خاصة للمتضررين قانونياً أو اجتماعياً أو سياسياً وتعده تمييزاً محموداً. والقانونيون يدركون أن "المساواة القانونية" الشكلية المجردة لا تحقق "المساواة الفعلية" في مناخ يسوده التمييز والتوجهات السلبية ضد المرأة دون تحقيق مبدأ "تكافؤ الفرص" لأن المساواة القانونية التزام سلبي بينما تكافؤ الفرص التزام إيجابي فلا يمكن تفعيل المساواة إلا بإعمال تكافؤ الفرص. وإذا أرادت حكوماتنا إنصاف نسائها فلا مفر من "الكوتا" حلاً عادلاً للمعادلة الانتخابية. يقول عبدالله المدني: الكوتا مقبول عالمياً وبخاصة في آسيا التي منحت غالبية برلماناتها حصصاً للنساء سواء عبر نص دستوري أو تضمين الأمر في تشريعات انتخابية كما تتعدد تطبيقات الكوتا بين مقاعد تتنافس عليها النساء أو لتُشغل بأسماء نساء يختارهن النواب أو إلزام الأحزاب بتخصيص نسبة للمرشحات. إننا بحاجة إلى توعية مجتمعاتنا بأن الديمقراطية ليست مجرد عملية انتخابية شكلية، هي ثقافة وقيم تربوية وتوجهات وسلوكيات تغرس في التربة المجتمعية العميقة، وهي بيئة تضمن سلامة العملية الانتخابية عبر شروط من أهمها شرط تكافؤ الفرص، تأتي "الكوتا" في مقدمتها.