منذ أكثر من عشر سنوات، أوقف صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، كافة الكسارات العاملة في "حتا"، وذلك حرصاً من سموه على سلامة مواطنيه، ضارباً بعرض الحائط أية مصالح اقتصادية لها انعكاساتها البيئية الخطيرة من غبار وضجيج واهتزازات ومشاكل تنفسية، وغياب الاستمتاع بالحياة الطبيعية. رغم كون هذه الكسارات أفضل تجهيزاً من تلك الموجودة الآن في مناطق أخرى. وفي الوقت الذي تسعى فيه دولة الإمارات إلى إثبات حسن النوايا في مجال حقوق الإنسان، بإلغائها للركبية صغار السن في سباقات الهجن، وسنّ القوانين المنظمة لوجود العمالة وغيرهما من المحاولات المثمنة في هذا المجال، تأتي حكايات مظلمة لها أكثر من عشرين عاماً، وهي تشكل كابوساً على رؤوس سكان تلك المناطق، فالكسارات ومصانع الإسمنت لم تغير من وضعها البيئي، خاصة بعد صدور القانون الاتحادي للبيئة، والذي يحد من هذه الممارسات، والذي اشترط على كل المصانع أن تحسن من وضعها خلال ستة أشهر بعد صدور القانون. والسؤال هنا: كيف تم التصريح لهذه المصانع والكسارات وهي غير ملتزمة بالضوابط البيئية؟ فالوضع لم يتغير منذ عقدين، وهو الأمر الذي لا تجده في أكثر دول العالم الثالث تخلفاً؟ أين وزارة البيئة التي لم تلعب إلى اليوم دوراً سوى دور تنسيقي؟ أين تشريعاتها وقوانينها؟ لماذا تغيب بهذه الحدة، لاسيما وأن هذا المفصل له من الخطورة والأهمية ويكاد تكون له الأولوية على كافة المستويات؟ أين معدات التحكم في التلوث الذي يتسبب في أمراض مستعصية لا تحصى؟ ولمَ هذا السكوت المريب على وضع يكاد يكون قاتلاً بجدارة مفرطة؟ المواطن المتألم والمتضرر من هذه الأعمال مغبون، مغلوب على أمره، وكأنه بلا صوت وهامش من المعتاد أن ينسى، إذا كنا نبحث عن مواطنين في غابة الأغراب التي نعيشها، لمَ نفرط في حق بسيط هو الحياة ضمن هواء نظيف لا يأتي بالسرطانات وكأنها أمر مسلَّم به؟ ناهيك عن دور الإعلام المتخاذل الذي يروج لشركات إسمنت متسببة في قتل البشر، ويعلن عن أرباحها وأسعار أسهمها متغافلاً عن التشهير بممارساتها اللاإنسانية. مثل هذه الشركات لابد لها أن تقاطع في الدول الأخرى، هناك قائمة سوداء يوضع فيها اسم الشركة التي ترفض الانصياع للقوانين الحكومية، لذلك كان التحرك الحكومي والإعلامي والشعبي ملحاً لإيقاف هذه المهزلة الدموية، التي تشبه أعواماً من القتل الصامت الدائر بين أعيننا وكأننا لا نرى ولا نسمع ولا نتكلم. مخجل جداً ما يحدث، ولا يليق أبداً بدولة كالإمارات، رايتها بيضاء على الدوام، ولم تكن أبداً بتلك السلبية حين يتعلق الأمر بحياة بشر أبرياء بسطاء، وكل مصائبهم كونهم يعيشون قرب جحيم الكسارات ومصانع إسمنت متوحشة. أنقذوهم!