هل سيدخل العراق نفق الحرب الأهلية من خلال القتل على الهوية الطائفية؟ فالعراق بلد يسهل الفتك به طائفياً, ليس فقط بسبب تاريخه الطويل المؤلم ذي النسغ الطائفي, بل لأن ظروفه الاجتماعية والدينية مهيأة للأسف للاستثارة الطائفية عند أبسط شرارة, وهذا على ما يبدو أن الزرقاوي لا رحمه الله, كان يخطط له, كما تبين من تصريحات كبيره الذي علمه السحر المدعو أسامة بن لادن مؤخراً. هل سيمنح العراقيون الزرقاوي وهو في قبره نشوة "النصر" لمخططه الإجرامي؟ للأسف الشديد أن الإجابة, كما يبدو من ظاهر الأحداث, ستكون... نعم كبيرة! فالعراقيون لا توجد لديهم الفرصة اليوم لأخذ العبرة والدرس من الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت ما لا يقل عن أربعة عشر عاماً, تعلّم اللبنانيون بعدها درساً مؤلماً وثميناً هو أهمية الاستقرار والأمن الاجتماعي. ولا يبدو أن الظروف تسمح للعراقيين بذلك, وكأن هناك مخططاً إجرامياً مُعدّاً سلفاً لإغراق العراق في أتون حرب أهلية لا تبقي ولا تذر. ويخطئ من يرمي بهذا الإثم على ظهور الأميركيين هذه المرة. الطائفية سواء في العراق أو غيره شر مستطير ونفق مظلم ليس من السهل الخروج منه. والطائفية أسوأ من القبلية والعشائرية, لأن الحرب الطائفية حرب دينية, ومن ثم فهي ذات طبيعة استئصالية, بمعنى أن بقاء طرف يستلزم القضاء المبرم على الطرف الآخر نهائياً. وحيث إن الطائفتين السُّنية والشيعية في العراق ذواتا جذور اجتماعية وسياسية وتاريخية فإنه من الصعب تصور وجود حرب أهلية قصيرة الأمد, هذا إن لم تمتد إلى بقية الطوائف الأخرى, وما يحمله ذلك من احتمالات الاستقطاب الخارجي, فدول الجوار المحيط بالعراق تعاني من نفس المشكلة وإن كانت لا تزال مستقرة اجتماعياً وسياسياً, لكن لا أحد يدري متى ينفلت الزمام ويحدث التدخل الخارجي, سواء بإمدادات السلاح أو الرجال, وما التدخل الإيراني في الشأن العراقي عنا ببعيد. من جانب آخر, يعاني العراقيون من مشكلة كانت كامنة أثناء الحكم المقبور, وهي الأحقاد والضغائن الكامنة في القلوب تجاه بعضهم بعضاً, بما خلقه النظام السابق من نظام مخابرات شعبي حيث لا يعلم كل فرد مَن يراقب مَن. لقد جعل حكم "البعث" من العراق بلد مخابرات لا يثق الواحد فيه بأخيه أو زوجه أو صديقه. والفوضى السائدة في العراق حالياً تتيح مجالاً واسعاً للانتقامات الشخصية, ولعل هذا يفسر ظهور الجثث المجهولة بين حين وآخر. وما من شك في أن عجز الحكومة العراقية عن القيام بالمهام الأمنية المطلوبة لمنع حدوث مثل هذه الحوادث الدامية بسبب انهيار مؤسسات الدولة العراقية, سيساهم ليس في استمرار الوضع بل وفي تفاقمه أيضاً. وللأسف لا تبدو في الأفق المتوسط بارقة أمل بتوقف هذه المجازر ما دام السلاح أرخص من التراب في العراق. إن ليل القتل على الهوية الطائفية, ليل طويل لن تفيد فيه دعوة الرئيس العراقي جلال الطالباني, لأن ما يحتاجه العراق حالياً علاج كان يجب أخذه مع بداية سقوط النظام. وهذا العلاج يتمثل في المسامحة الاجتماعية الشاملة لكل جرائم الماضي فيما بين المواطنين. لكن الآن هيهات, فدروس التاريخ القاسية تخبرنا أن شرارة الحرب الطائفية إذا اندلعت ليس من السهل إطفاؤها... ولهذا نتوقع للعراق ليلاً طويلاً من القتل والقتل المتبادل, ونأمل أن تخيب الأيام ظننا بأن يستجيب العراقيون لدعوة رئيسهم وأن يتوقف جميع أنواع القتل.