خلال السنوات القليلة الماضية، روج الكثير من كبار العلماء في العالم لما يعرف بالاستنساخ العلاجي، باعتباره أكثر الطرق الواعدة في مجال إنتاج خلايا جذعية مفيدة إكلينكياً، ومُهندَسه وراثياً، ومتعددة الاستخدامات بيولوجياً. ولعل هذا الترويج كان هو السبب الذي دعا بعض العلماء العاملين في هذا المجال إلى ادعاء أنهم قد قاموا بإنتاج أول جنين بشري مستنسخ، وهو ما حدث في كوريا الجنوبية عام 2004 ثم مرة ثانية في كوريا الجنوبية أيضاً عام 2005 حيث تم إعلان أنه قد أصبح من الممكن إنتاج خطوط خلايا جذعية جنينية من أجنة بشكل روتيني وفعال. وبعد هذا الإعلان أصبح العالم الكوري الجنوبي "هوانج وو سك" صاحب هذا الادعاء شخصية ذات شهرة عالمية، إلى درجة دفعت بعضاً من كبار العلماء الأميركيين في هذا المجال إلى السفر إلى سيئول لزيارة مختبره، ودراسة التقنية التي اتبعها، خصوصاً بعد أن أعلن ذلك العالم أن ما يقوم به "مقدس، ونقي، وأصلي". ولكن العالم اكتشف فيما بعد أن ما يقوم به هذا العالم هو غش علمي، وذلك عندما تأكد العلماء أن "هوانج" قد استخدم بويضات مشتراة من باحثين صغار يعملون في مختبره، وهو ما يعد انتهاكاً لـ"إعلان هلسنكي" الذي يحكم مسألة البحوث العلمية، ثم كذّب بعد ذلك للتغطية على هذا الانتهاك. ويذهب بعض العلماء في الولايات المتحدة إلى أن ما حدث في كوريا الجنوبية، يدعو الباحثين الأميركيين للحرص على القيام بعملية تكوين وتدمير الأجنة المستنسخة بأنفسهم وليس عن طريق الباحثين المساعدين العاملين لديهم. وعلى هذا الأساس -قيام العلماء بأنفسهم بذلك- وافقت جامعة "هارفارد" مؤخراً على إجراء أبحاث خاصة بالاستنساخ، كما قامت بعض الولايات بتخصيص مبالغ لإجراء مثل هذه التجارب أيضاً. ولكن الحجة العلمية التي كان يتم التأكيد عليها دوماً للعلماء الأميركيين الكبار عند كل موافقة من هذه الموافقات هي: "إذا ما كنت تريد خلايا جذعية نافعة فإنه يتعين عليك تكوين ثم تدمير الأجنة البشرية المستنسخة بنفسك وليس عن طريق أي أحد آخر". ولكن الحقيقة هي أن هذا هو الدرس الخاطئ الذي يمكن استخلاصه من الفضيحة الكورية الجنوبية. لماذا؟ لأن الحقيقة الثابتة هي أن الاستنساخ سيظل على الدوام عملاً غير أخلاقي لأنه يتضمن القيام عمداً بتكوين وتدمير آلاف -بل ملايين- الأجنة البشرية. وحتى الجهد الذي يقوم به الكونجرس في الوقت الراهن لمد نطاق التمويل الفيدرالي كي يشمل أبحاث الخلايا الجذعية التي تقوم على الأجنة التي يتم تركها في عيادات الخصوبة، لن يرضي العلماء أبداً، لأن مثل تلك الخلايا الجذعية لن تتيح لهم السيطرة الجينية (الوراثية) التي يريدونها على الخلايا. والحل الوحيد المتاح أمامنا نحن معشر العلماء هو العثور على بديل علمي لأبحاث الاستنساخ، أي حل يوفر لنا الخلايا الجذعية التي نرغبها دون أي انتهاكات أخلاقية. وانتهاكات العالم المخادع "هوانج" اشتملت على استغلال العديد من النساء اللائي أخضعهن لممارسات طبية خطرة وغير مقبولة دون أن تترتب عليها أية فائدة طبية لهم. ففي محاولته لإنتاج جنين واحد مستنسخ قام ذلك العالم بإنتاج مئات البويضات التي تم استغلالها كمواد خام. ومن المعروف أن شراء وبيع البويضات في كوريا الجنوبية يتم سراً، وتجري التغطية عليها من خلال وثائق مزيفة وأكاذيب صفيقة، وهو الشيء الذي لا يمكن أن يحدث في أميركا كما يؤكد لنا الباحثون. ولكن الشيء المتوقع حدوثه بمرور الوقت أنه بدلاً من إخضاع الاستنساخ البحثي نفسه للمساءلة ستتم مساءلة المعايير الأخلاقية لهذا العمل ذاتها، كالسؤال مثلاً: ما الذي يُدفع للنساء مقابل البويضات التي يتم الحصول عليها منهن؟ وهل من الأخلاق أساساً أن يتم إغراء النساء بالمال كي يقمن بتعريض حياتهن للخطر من أجل الحصول على تلك البويضات منهن؟ بالطبع لن يكون هناك طبيب ينصح مريضته بالخضوع لهذا الإجراء الخطر طبياً، ولكن الشيء المحتمل حدوثه هو نوع من التبرير الأخلاقي أي أن يقوم الطبيب بتبرير ما يقوم به بأن يقول لنفسه مثلاً إن مصلحة الجنس البشري هي أهم من مصلحة الأفراد. مثل هذا التبرير لا أخلاقي بالطبع، ولقد رأينا إلى أين يمكن أن يقودنا (حالة العالم الكوري الجنوبي). ولكننا رأينا أيضاً في السجال الدائر حول الخلايا الجذعية، كيف يمكن للخطوط الأخلاقية أن تتآكل بسرعة بحيث إنه بدلاً من أن يتم فقط استخدام الأجنة "الاحتياطية" المتبقية في عيادات الخصوبة، يتم تكوين أجنة بشرية لأغراض الأبحاث فقط، أو تكوين أجنة مستنسخة للأبحاث فقط. ماذا ستكون الخطوة التالية؟ ربما نسمع مقترحات مثل زراعة الأجنة، والاحتفاظ بها إلى مراحل لاحقة في التطور يمكن فيها الحصول على خلايا جذعية مفيدة، أو "حصاد" أعضاء في حالتها البدئية، ولكن الشيء المؤكد هو أن السجال سيظل قائماً بين العلماء وبين فلاسفة الأخلاق حول هذا الأمر: فلاسفة الأخلاق يقولون في كل مرحلة من المراحل التي يصل إليها العلم: "إلى هنا وكفى"، لكنهم قد يقومون بعد ذلك بتغيير رأيهم والسماح بالمضي إلى ما هو أبعد من تلك الـ"هنا" التي طالبوا بالوقوف عندها في سبيل تقدم العلم والبشرية. في النهاية يمكن القول إن الدرس الذي يمكن استخلاصه من فضيحة الاستنساخ في كوريا الجنوبية ليس هو أن هناك قواعد بحثية محددة قد جرى خرقها، ولكن أن الاستنساخ البشري حتى لأغراض البحث، هو موضوع مثير للجدل من الناحية الأخلاقية إلى درجة أن ممارسيه يحرصون دوماً على إخفاء آثار عملهم في سبيل ذلك الحلم الذي قد يكون زائفاً أحياناً بتحقيق معجزة علمية تنسب إليهم. وإذا ما كان الاستنساخ مهماً للغاية للأبحاث، فإن الاكتفاء بتغيير سياسة بوش الخاصة بتمويل الأبحاث الخاصة بالأجنة الاحتياطية التي يتم الحصول عليها، لن يكون مفيداً. روبرت بي. جورج أستاذ التشريع بجامعة "برينستون" وعضو "مجلس الرئيس بوش للأخلاقيات الحيوية" __________ إيريك كوهين زميل "مركز علم الأخلاق والسياسة العامة" ورئيس تحرير مجلة "نيو أطلانطس" __________ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"