إن استمرار اتجاه الهبوط في حركة الدولار، هو العنصر المشترك لدى الغالبية من التوقعات الخاصة بحركة أسواق صرف المال والعملات العالمية، خلال النصف الثاني من هذا العام. وإذا كان هناك قدر من التباين في هذه التوقعات، فإنه يقتصر على تقدير مدى الهبوط الإضافي للدولار مقابل العملات العالمية الأخرى. ولعل مصدر القلق الوحيد هو أن يتخذ هبوط الدولار خلال الفترة المقبلة مساراً حاداً ومفاجئاً، يمكن له أن يثير الاضطراب في مختلف أسواق العالم، وأن يفضي إلى نتائج سلبية على الجميع. وعدا ذلك فإن الولايات المتحدة تبدو عازمة على ردم فجوة العجز في ميزاني الحساب الجاري والتجاري من خلال خفض قيمة العملة. ومع الانخفاض الكبير في قيمة الدولار، واستمرار إيرادات النفط في التزايد لثلاث سنوات متتالية، وتوقع استمرارها كذلك لسنين مقبلة، بدأت في الأفق مخاطر حقيقية من اختلال كبير في السياسات النقدية الخليجية، الأمر الذي دفع "صندوق النقد الدولي" ومؤسسات مالية أخرى، إلى حث حكومات الدول الخليجية على تعديل أسعار صرف عملاتها المحلية استجابة لهذه التطورات. وبعد أن اتخذت الحكومة الكويتية خطوة في هذا الاتجاه ورفعت قيمة عملتها المحلية (الدينار) مقابل الدولار بنسبة 1%، شهدت الأوساط الداخلية في الدول الخليجية الأخرى، ومن بينها دولة الإمارات، سجالاً حول إمكانية إعادة تقييم أسعار صرف العملات الخليجية المحلية. لاشك أن ربط أية عملة محلية مع أي عملة عالمية، مثل ربط سعر صرف الدرهم بالدولار هو سلاح ذو حدين، ففي حالة انخفاض الدولار يكون ذلك إيجابياً للسلع والخدمات الإماراتية المصدرة، بحيث تكون أرخص وتملك قوة تنافسية في حالة التصدير مثل ما تصدره الشركات الإماراتية القائمة والمنتجة من سلع. وفي المقابل فإن انخفاض الدولار يؤدي إلى هبوط القوة الشرائية لصادرات الإمارات بسبب ارتباط الدرهم بالدولار من جهة، وبسبب تسعير النفط بالدولار من جهة أخرى، حيث تنخفض كمية السلع والخدمات التي تستوردها الإمارات مقابل كل برميل نفط تصدره إلى الخارج. كما أن التجارة مع غير منطقة الدولار تكون ذات تكلفة عالية، حيث يتم استيراد سلع غالية الثمن نسبياً، وهذا ما يفسر القفزة الكبرى التي شهدها حجم التبادل التجاري بين دولة الإمارات والولايات المتحدة مؤخراً، حيث ارتفع حجم التبادل التجاري بين الدولتين خلال الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام، إلى 16.8 مليار درهم، مقابل 10.4 مليار درهم للفترة نفسها من العام 2005 وبنسبة نمو تزيد على 61%، بينما واصل الميزان التجاري ميله لمصلحة الولايات المتحدة بنحو 13.6 مليار درهم. رغم الضغوط التي يحدثها انخفاض قيمة الدولار على الحركة الاقتصادية في الإمارات، فإن الاستجابة لمطالب رفع قيمة الدرهم مقابل الدولار، بأي نسبة كانت يترتب عليها انخفاض مباشر في القدرة التنافسية للصادرات الإماراتية غير النفطية، وفي الوقت نفسه يزيد من القيمة "الحقيقية" لمدخلات الإنتاج، خاصة المستوردة منها، بما في ذلك الأجور بالنسبة نفسها، بينما تظل القيمة الفعلية لأسعار النفط في الأسواق الخارجية من دون تغير، إذ أنها مقوّمة بالدولار. وهكذا يتسبب انخفاض قيمة الدولار في مشكلات حقيقية معقدة بالنسبة إلى دولة الإمارات، لها حلقات مفرغة يصعب الخروج منها، مما يتطلب دراسات فنية شاملة تتناول المكاسب والخسائر التي يمكن أن تترتب على رفع قيمة الدرهم مقابل الدولار، ومن خلالها يمكن حسم الغموض الذي يكتنف هذا الملف، خاصة أن انخفاض قيمة الدولار ليس شراً كله، بل إن العديد من القطاعات الاقتصادية المحلية تستفيد كثيراً من هذا الانخفاض. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية