أرجو ألا تخلطوا بين ما حصل في بلدة المحمودية العراقية والهجمات التي شنها الجنود الأميركيون على مدنيين عراقيين عزل في الفلوجة وحديثة، أو في محافظة صلاح الدين. فرغم أن قتل الأبرياء غير المقاتلين، فضلاً عن إلحاق الإهانة وسوء المعاملة بالمعتقلين في سجن "أبوغريب" أعمال مشينة تستحق الشجب والاستنكار وإنزال عقوبات قاسية وسريعة بمرتكبيها، فإن ما شهدته المحمودية، البلدة العراقية الواقعة إلى الجنوب من بغداد يختلف عما سبق من جرائم ويستحق تصنيفاً خاصاً به لوحده. ذلك أن ما وقع في المحمودية لم يكن مجرد إفراط في تنفيذ الأوامر من قبل الجنود، أو تجاوزاً لصلاحياتهم في استجواب المعتقلين، أو حتى حالة لجنود أنهكتهم الحرب ما جعلهم يخلطون بين قروي مسالم وأحد عناصر التمرد، كما لم تكن أيضاً حالة جنود قتِل زميلهم فخرجوا عن طورهم وصبوا جام غضبهم على الأهالي الأبرياء الذين "يشبهون الأعداء". لقد كانت المحمودية حالة لشيء آخر مختلف تماماً، إنه حادث بشع زاد من قسوته وقبحه أن جندياً أميركياً يفترض فيه خدمة بلده في العراق اختار بدلاً من ذلك أن يقترف أفظع الجرائم عندما قبل على نفسه إيذاء الآخرين والحط من كرامتهم ثم ارتكاب جريمة القتل. فقد سرح الجندي "ستيفن جرين"، البالغ من العمر 21 سنة، من الخدمة العسكرية بسبب "اختلال في الشخصية" بعدما اتهم بمداهمة منزل عراقي قرب بلدة المحمودية في شهر مارس الماضي واغتصاب فتاة عراقية تبلغ 15 سنة من عمرها، ثم إطلاق رصاصة على رأسها والقيام بإحراقها لاحقاً بعدما انتهى من جسدها الغض. وقبل ذلك ساق عائلتها المكونة من الأب والأم والأخت ذات الخمس سنوات إلى غرفة مجاورة وقتلهم جميعاً. لكن بعد اعتقاله من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي، نفى التهم الموجهة إليه وتشبث بالبراءة. ولم تكشف الجريمة إلا بعد العثور على جثة الفتاة إلى جانب جثت أفراد العائلة مدفونة في محاولة على يبدو لإخفاء الحادث والتغطية عليه. والأكثر من ذلك أنه حسب بيان رسمي لمكتب التحقيقات الفيدرالي لم يكن "ستيفن جرين" الجندي الوحيد المتورط في الاغتصاب، بل شاركه أفراد من وحدته في الجريمة النكراء. ومع أن البعض قد يقول إن ما حدث في المحمودية ليس أكثر من تكتيك حربي، إلا أن الأمر أكبر من ذلك، إذ يشبه الجرائم التي نستنكرها يومياً في دارفور، أو تلك التي سبقتها في كوسوفو واغتصبت فيها العديد من النساء. وإذا تأكدت وقائع المحمودية فإنها ستكون نموذجاً مخجلاً للسادية في أبشع صورها، فضلاً عن أنها مثال عن رغبة أحد الجنود في ممارسة سلطته خارج نطاق القانون وقواعد السلوك التي يتبناها الجيش الأميركي في تناقض صارخ مع الهدف الذي نتواجد من أجله في العراق. وبالرجوع إلى تفاصيل الحادث أورد تقرير "واشنطن بوست" الذي كشف الجريمة أن الفتاة كانت تبدي دائماً لأمها توجسها من الجنود الأميركيين بسبب تمركزهم القريب من بلدتها واضطرارها للمرور أمامهم كل يوم. وقد أخبرت أمها كيف كان الجنود يتحرَّشون بها في غدوها ورواحها ما جعل الأم تخشى على ابنتها من ملاحقة الجنود لها وقدومهم ليلاً بحثاً عنها. وفعلاً صدقت توقعات الأم، حيث جاء الجندي "جرين" وزملاؤه إلى منزل الفتاة ليلاً بغرض الاغتصاب ما يضعهم أمام تهمة الشطط المتعمد في استخدام القوة. ولو حق ذلك فإن ما جرى هو بعيد كل البعد عن تكتيك الحرب ولا يمكن اعتباره سوى ظلم فادح لحق بالفتاة وأسرتها. فبينما كان الجنود يوغلون في تقتيل أفراد الأسرة بعد إطلاق الرصاص عليهم كانت الفتاة ترتجف هلعاً في إحدى غرف المنزل وقد اتضح مصيرها بعدما وقف الجندي "جرين" أمامها. كولبرت كينج كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست ولوس أنجلوس تايمز"