يشهد قطاع العقارات بدولة الإمارات ومعظم الدول الخليجية طفرة لا مثيل لها، وهي مرشحة للتصاعد في ظل تصاعد هوس الاستثمار العقاري واستنساخ المشاريع الناجحة في دول الخليج. ومع كل ما قيل وما يقال وما سيقال عن الخلل في التركيبة السكانية إلا أن الدول الخليجية والشركات العقارية المملوكة بشكل رئيسي للحكومات ماضية في تعزيز استثماراتها في هذا الاتجاه خاصة في ظل تدفق العوائد النفطية نتيجة لارتفاع أسعار النفط، ومع توفر البيئة المناسبة لجذب الاستثمارات الدولية للمنطقة أصبحت المنطقة الخليجية نقطة جذب للمستثمرين وأصحاب الملايين والخبراء والعمالة الوافدة بالطبع. ولا نجادل في نجاح هذه المشاريع في جذب المستثمرين والاستثمارات إلى المنطقة إضافة إلى إيجاد قنوات لاستثمار الأموال الوطنية المهاجرة منذ سنوات في الاقتصاد الوطني، وحتى توجيه المدخرات المحلية للمواطنين والأجانب للاستثمار في قطاع العقارات. سلسلة نجاحات اقتصادية انعكست على إحداث ثورة اقتصادية واجتماعية في هذه الدول. تتفاوت الرؤى في توجه الدول الخليجية إلى الاستثمار المكثف في القطاع العقاري وبعيداً عن الرؤية الاقتصادية وحديث المال فالحديث والمخاوف ينصبَّان في هذا المقام على الانعكاسات الاجتماعية لعملية النمو العمراني على المجتمعات الخليجية ومجتمع دولة الإمارات على وجه الخصوص. سنركز في المقام الأول على تأثير تزايد العمالة الوافدة وآثارها الاجتماعية على ديمغرافية دول‌ الخليج ودولة الإمارات بالأخص، ثم سنتناول الوجه الآخر للعملة وهو تأثير الخليط المعوْلم للمستثمرين في هذه الأبراج على البيئة الاجتماعية المحلية وعلى مستقبل التركيبة السكانية في دول الخليج. صاحب عملية الاستثمار المكثف في القطاع العقاري طلب متزايد على العمالة الوافدة الآسيوية، وشهدت السوق المحلية تدفق آلاف العمال الأجانب من الدول الآسيوية لتلبية هذا الطلب المرشح للتصاعد في السنوات القادمة. ومع تزايد الاحتجاجات العمالية في السنوات الماضية بسبب تكرار شكاوى عدم الحصول على الأجور من قبل بعض شركات المقاولات تصاعدت حدة هذه الاحتجاجات، وبعد أن كانت غالبية هذه الاحتجاجات تستند إلى مطالبات قانونية بالأجور بدأت الاحتجاجات تتخذ مسارات أخرى في ضوء مطالبات متزايدة بزيادة الأجور، المحددة بشكل أساسي في عقود التوظيف. ومن المطالبات العشوائية بدأت تظهر بوادر تنسيق عمالي على مستوى عالٍ تكشفت معالمه في الإضرابات الأخيرة لإحدى شركات المقاولات التي تعمل في عدة مواقع بإمارة دبي، حيث بدأت سلسلة من الإضرابات العمالية في عدة مواقع في ذات التوقيت لذات، الشركة مما نتجت عنه خسائر قدرت بالملايين، إضافة إلى عرقلة السير بشوارع رئيسية بالإمارة، وبدا أن الاحتجاجات التي كانت تتخذ في السابق طابعاً سلمياً بالامتناع عن العمل أخذت مجرى عنيفاً فصاحبت غالبية الإضرابات العمالية في الفترة الأخيرة أعمال شغب وعنف. ولا ننسى أن أوضاع العمال وقطاع العمل في دولة الإمارات تتعرض لعملية تسليط إعلامية مكثفة على مستوى الإعلام الأجنبي الداخلي، والإعلام الخارجي، ولا ننسى أن منظمات حقوق الإنسان غالباً ما تسلط الضوء على حقوق العمالة الوافدة كورقة مرفوعة ضد دولة الإمارات في المحافل الدولية. إن مشكلة العمالة الوافدة كما أوجزناها وبعيداً عن ثنائية الحقوق والواجبات بدأت تطرح حواراً مستجداً على الساحة المحلية بالحديث عن النقابات العمالية، وعلى الساحة الدولية بالحديث عن توطين العمالة الوافدة، وحسناً فعل وزير العمل الدكتور علي الكعبي بتأكيده على أنها عمالة مؤقتة مهما طالت مدة بقائها في الدولة، فلن تنتقل إلى خانة العمالة المهاجرة، وهي مؤقتة بقرار وزاري وقبل ذلك بقرار شعبي. فالأبجديات الدولية يجب أن تراعي خصوصية بعض المجتمعات خاصة وأن المجتمعات الخليجية تعتبر الوحيدة في العالم في وضعها إذ يعد فيها السكان الأصليون أقلية والأجانب أكثرية. بمعنى آخر هي كارثة اجتماعية إذا لم يتم ضبطها بالتشريعات المناسبة وتوضع في إطار قانوني بحيث تبقى عمالة مؤقتة ووافدة. إن الآثار الديمغرافية لظاهرة تزايد العمالة الوافدة وجدت انعكاساتها الأولية على التركيبة السكانية، ثم على الأوضاع الأمنية بالدولة، وآخيراً على صورة دولة الإمارات في المحافل الدولية. لذا فإقرار توصية وزراء العمل الخليجيين بتحديد فترة زمنية قصوى لا تزيد على 6 سنوات لإقامة العامل الوافد في الدول الخليجية مستثنين بعض التخصصات، وبغض النظر عن رأي الفعاليات الاقتصادية فهي توصية يجب ألا توضع فقط تحت المنظار الاقتصادي والمصالح المالية الضيقة، ولكن لجهة انعكاساتها على مستقبل هذه الدول، فنحن لن نرضخ للضغوطات الدولية، لكن لنؤسس لبدائل محتملة حتى لو تباطأت عجلة التنمية في هذه الدول. تتفاوت دول الخليج في انحدارها لهاوية الاندثار، ولا نقول هذا تشاؤماً، لكنها الحقيقة العارية، كارثة ستواجه الأجيال القادمة. فدول الخليج تستورد سكاناً لمشاريعها العقارية من أبراج وفلل فخمة ولا ننسى أن الاستثمار العقاري يتيح للمستثمر الأجنبي الحصول على إقامة لسنوات طويلة كجزء مكمل للصفقة العقارية. لا نتحدث بعقلية منغلقة عند الحديث عن الآخر، لكن هل يراعي الآخر خصوصية المجتمعات المحلية، بيدنا أن نقنن من تأثير الآخر على هوية وثقافة المجتمع بدون الإخلال بشروط الاستثمار العقاري. لم يكن يوماً انغلاق الشعوب حلاً سحرياً ولا انفتاحها بلا حدود. للانفتاح ضوابط أخلاقية وثقافية واجتماعية لابد أن تراعى وأن تسن لها القوانين. نتكلم اليوم عن خلل مستشرٍ فكيف لا نحس بأننا أصبحنا أقلية في أوطاننا؟ حقيقةً نتخوف من طمس هويتنا، نتخوف على لغتنا لهجتنا المحلية في ظل مجتمع هجين، للأسف سيدفع مجتمع الإمارات وغيره من المجتمعات الخليجية ثمناً باهظاً لسلعة بخسة، النمو الاقتصادي المتسارع والمتزاحم في المنطقة ومعه الأموال المتدفقة، الإنجازات المادية من أكبر المشاريع وأضخم المباني وأطول الأبراج لا تساوي شيئاً في تاريخ الشعوب والأمم. إن الإنجاز الحقيقي هو في بناء المجتمعات الإنسانية ثقافياً وحضارياً، وبعد لماذا نتحدث عن الخلل في التركيبة السكانية ؟ لأنه لا زال هناك أمل.. وإيمان.