لا تبدو ثمة بارقة أمل لحل الأزمة الحالية المتفاقمة بين إسرائيل وفلسطينيي القطاع. بل ربما تتصاعد لتبلغ مدى أشد عنفاً ووحشية, ما لم تتسلم إسرائيل جنديها المختطف "جلعاد شاليت", وما لم تتوقف صواريخ "القسّام" التي يطلقها المقاتلون الفلسطينيون صوب المدن والضواحي الإسرائيلية. وتتمثل المعضلة الكبرى التي يواجهها رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت في أن الفلسطينيين على أشد وأمر ما يكون الانقسام على أنفسهم, لدرجة أنه لم يعد في مقدور أي منهم– بمن فيهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس- إبرام صفقة ملزمة وقابلة للتنفيذ من جانبهم مع إسرائيل. وعليه فقد خبا بريق الأمل الذي لاح لحظة انسحاب إسرائيل من القطاع وتفكيكها للمستوطنات اليهودية القائمة هناك العام الماضي. والآن فما أبعد التفكير في إبرام صفقة سلام إسرائيلية- فلسطينية, وهيهات لأحلام إعادة إعمار القطاع التي راودت الفلسطينيين أن تتحقق في ظل التصعيد الراهن. وعلى الرغم من أن الانسحاب الإسرائيلي من القطاع تم بقدر كبير من السلاسة خلافاً لما توقع المتشائمون, فإنه كان أحادياً ومفروضاً على السلطة الفلسطينية باعتباره أمراً مسلماً به. وبما أنه لم يكن هناك اتفاق ملزم بين الحكومة الإسرائيلية والقيادة الفلسطينية على العلاقات بين الطرفين بعد عملية الانسحاب, فقد نشأ فراغ سياسي في القطاع, بينما مضى الفلسطينيون في ترتيباتهم للانتخابات التشريعية التي أسفرت عن فوز حركة "حماس" في يناير من العام الجاري. وعلى الرغم من أن هذا الفوز عد نزيهاً وديمقراطياً, فإنه سرعان ما جرى عزل حكومة "حماس" وحرمانها من مصادر الدخل اليومي التي كانت توفرها كل من إسرائيل والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة للفلسطينيين. والسبب هو رفض حركة "حماس" الاعتراف بأي من الاتفاقيات السابقة التي أبرمتها السلطة الفلسطينية مع إسرائيل, بما فيها الاتفاق على حل الإعلان عن قيام دولتين, والاعتراف بإسرائيل كدولة شرق أوسطية شرعية. وبالنتيجة فقد تدهور الوضع الاقتصادي سريعاًً في قطاع غزة, ما أسفر عنه عجز عن دفع رواتب نحو 140 ألفاً من الفلسطينيين العاملين في القطاع الحكومي. بل والأكثر إثارة للقلق والانزعاج, الجفاف الذي طرأ على استثمارات القطاع الخاص الفلسطيني. وهكذا تبخرت كل الطموحات والآمال التي لاحت العام الماضي, في أن يشهد القطاع ازدهاراً اقتصادياً مبشراً عقب الانسحاب. ومما زاد الأوضاع سوءاً, استصحاب العزل السياسي والمالي والدبلوماسي الذي تعرضت له حكومة "حماس", اندلاع نيران العنف والنزاعات بين فصيلي "فتح" و"حماس" في القطاع, بينما واصل المتطرفون شن هجماتهم الصاروخية المتكررة على إسرائيل. وعلى الرغم من أن كل هذه الصواريخ لم تسفر عن أي قتلى في صفوف الإسرائيليين, فإن توسيع مدى صواريخ "القسّام" هذه وعشوائية الهجمات نفسها, دفعا إسرائيل للاعتقاد بأن الوضع لن يزداد إلا سوءاً ما لم تتخذ من جانبها من التدابير الأمنية والعسكرية الفورية الحازمة ما يكفي لوقفها. ومن بين العواقب المباشرة المترتبة عن هذه الصواريخ, القضاء على وعد كان قد تقدم به رئيس الوزراء الحالي إيهود أولمرت قبيل خوضه الانتخابات, يتعلق باعتزام بلاده الانسحاب الأحادي من المزيد من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية. وفي حين يستطيع الجدار الأمني العازل, الحد من خطر الهجمات الانتحارية التي تستهدف الإسرائيليين, إلا أنه ليس في مقدوره فعل أي شيء إزاء الهجمات الصاروخية. والقلق الذي يستبد بالإسرائيليين أن يسفر انسحابهم الأحادي من أراضي الضفة الغربية, عن فوضى عارمة في منطقة أشد قرباً من التجمعات السكانية الإسرائيلية الكبيرة, قياساً إلى البعد النسبي للقطاع. وتتلخص المعضلة الثانية التي تواجهها حكومة أولمرت في سيادة الاعتقاد في أوساط الإسرائيليين بأنهم أقل خبرة في مجال دبلوماسية المواجهات, خاصة ما تعلق منها باستخدام القوة. والمشكلة أن هذه هي أول حكومة إسرائيلية لم يتول وزراؤها الأساسيون مناصب عليا في قوات الدفاع الإسرائيلي. وليس أدل على ضعف خبرتهم هذه, أكثر من إفراط ردة فعلهم إزاء اختطاف الجندي جلعاد شاليت, بما فيها تدميرهم لمحطة الكهرباء الوحيدة في القطاع.