بكثير من الحزن والأسى يتذكر الإيرانيون اللحظة التي أسقطت فيها سفينة حربية أميركية طائرة مدنية إيرانية في سماء الخليج العربي، ما تسبب في مقتل 290 من ركاب الطائرة. وبمناسبة حلول ذكرى مرور ثماني عشرة سنة على هذا الحادث، بث التلفزيون الإيراني صور الجثث والحطام طافية على الماء، واتهمت الجمهورية الإسلامية الولايات المتحدة بارتكاب "مجزرة وحشية"، مضيفة تدمير الطائرة الإيرانية وضحاياها إلى قائمة طويلة من التظلمات التي لا زالت تؤجج مشاعر العداء بين إيران والولايات المتحدة. اليوم، وفي وقت تستعد فيه طهران للرد على العرض الأميركي القاضي بعقد محادثات مباشرة بشأن برنامج طهران النووي– وهو الأول من نوعه على هذا المستوى منذ قيام الثورة الإسلامية في 1979- يتأمل المسؤولون الإيرانيون في الماضي. وهو ما يبعث على التساؤل: ما هي العوامل التي تحكم تفكير "كبير المحافظين" محمود أحمدي نجاد ورجال الدين النافذين، وفي مقدمتهم المرشد الأعلى في إيران آية الله علي خامنئي، في ضوء تجربتهم الصعبة، والعنيفة أحيانا، مع الولايات المتحدة؟ الواقع أن تاريخ العلاقات بين البلدين يشير إلى الدعم الأميركي لصدام حسين خلال الحرب العراقية-الإيرانية خلال الثمانينيات والصمت الغربي على استعمال العراق للأسلحة الكيمياوية في ذلك الوقت، إضافة إلى إدراج الرئيس بوش لإيران ضمن "محور الشر". غير أنه رغم عقود من الغضب وانعدام الثقة والاحترام، فإن عدداً من المحللين يرون أن المسؤولين الإيرانيين يدركون اليوم أنهم في موقع قوة أكثر من أي وقت مضى، وهو ما قد يفسح إمكانية تغلب البراغماتية على الحماس والتعصب الإيديولوجيين، والذي يتمثل في إمكانية كسر "تابو" يتمثل في عقد مفاوضات ثنائية بين طهران وواشنطن. وفي هذا السياق، تقول "فريدة فرحي"، المتخصصة في الشؤون الإيرانية بجامعة هاواي والموجودة حاليا بطهران، "لا يمكن التعامل مع الولايات المتحدة من موقع ضعف. فالحالة الوحيدة التي تعامل فيها الولايات المتحدة دولة ما باحترام هي حين تكون هذه الأخيرة في موقع قوة"، مضيفة لقد "أثبتت الولايات المتحدة على مر التاريخ نيتها في إضعاف" إيران. والواقع أن القيادة الإيرانية تشاطر هذا الرأي على غرار العديد من المواطنين الإيرانيين. وفي هذا الإطار، أضافت الباحثة الأكاديمية قائلة "الحقيقة أنه حتى في أوساط المواطنين الإيرانيين، يمكن للمرء أن يلحظ أجواء انعدام الثقة تجاه النوايا الأميركية". وقد أرجأت إيران يوم الأربعاء الماضي محادثاتها مع الاتحاد الأوروبي بخصوص حزمة من المقترحات المحفزة التي عرضتها كل من روسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة بهدف تلطيف أجواء التوتر على خلفية برنامج طهران النووي. وقد تم تحديد يوم الخميس المقبل موعدا لإجراء هذه المحادثات لمناقشة العرض قبل انقضاء المهلة التي فُرضت على إيران من أجل تقديم ردها على المقترح الغربي والتي تنتهي في الثاني عشر من يوليو الجاري. ويعزى شعور إيران الحالي بالقوة إلى تضافر مجموعة من العوامل، ذلك أن فوز أحمدي نجاد العام الماضي وضع مقاليد السلطة بين أيدي "المحافظين"؛ كما أن إيران تمكنت في أبريل المنصرم خلال تجاذبها مع أوروبا والولايات المتحدة حول برنامجها النووي المثير للجدل من تخصيب اليورانيوم. يضاف إلى ذلك ارتفاع أسعار النفط التي درت على الخزينة الإيرانية أموالا طائلة، ورؤية المسؤولين الإيرانيين للآلة العسكرية الأميركية– التي كان يُنظر إليها في ما مضى على أنها وسيلة "لتغيير الأنظمة" قد تستهدف إيران- منهمكة بمقاتلة المتمردين في العراق. يقول "عباس المالكي"، نائب وزير الخارجية الإيراني السابق، الموجود حالياً بـ"مركز بيلفار للعلوم والشؤون الدولية" التابع لجامعة هارفارد، "بفضل الحكومة الأميركية، تمت إزاحة اثنين من أكثر التهديدات التي كانت تقض مضجع إيران صدام حسين، وحركة طالبان وتنظيم القاعدة"، مضيفا "وبالتالي، فالوضع أضحى مختلفا اليوم". ويرى الخبراء أن إيران وقيادتها تغيرت بدورها مع مرور الوقت، حيث تبخرت أحلام تصدير الثورة منذ وقت بعيد. وفي هذا السياق، يقول "حامد رضا جالايبور"، الحاكم الإقليمي بإيران، "لقد كانت الأيديولوجيا قبل عشرين سنة السمة الغالبة على المشهد العمومي الإيراني. حينها كان الحديث عن محادثات أميركية- إيرانية من قبيل التابوهات"، مضيفا "أما اليوم، فيتميز المشهد العمومي في إيران بالبراغماتية". ويتابع "جالايبور"، الذي يُدرس علم الاجتماع السياسي بجامعة طهران، قائلا "إن الطرفين يرغبان في التفاوض، غير أن كل طرف يساوم بخصوص الثمن". والحال أن الجلوس إلى طاولة المفاوضات يقتضي بعض التواضع، ذلك أن واشنطن تدعي أن إيران هي "أكثر دولة ترعى الإرهاب" في العالم، لأنها تقدم الدعم لـ"حزب الله" في لبنان، و"حماس" و"الجهاد الإسلامي" في الأراضي الفلسطينية. وبالمقابل، لا يستطيع أنصار الثورة تذكر عدد الأعلام الأميركية التي أحرقوها. ويقول "أمير محبيان"، محرر الشؤون السياسية في صحيفة "الرسالة" التي تصدر من طهران، وهي ذات اتجاه "محافظ": "صحيح أن التاريخ مهم، ولكن علينا أن ننسى الماضي من أجل إقامة علاقة جديدة لأن تلك الأحداث السيئة لن تساهم في حل المشكلة"، مضيفاً "لقد كانت ثمة حرب باردة بين البلدين، والواقع أنه يمكنها أن تتحول إلى حرب ساخنة في أي لحظة، ولذلك يتعين على كل طرف أن يحاول دفن الماضي". ومن جانبه، يقول المالكي، الذي توفي شقيقه على خطوط الجبهة الإيرانية- العراقية: "أعتقد أنها فرصة ممتازة أمام الولايات المتحدة لأن جيل الثورة الإيرانية والحرب الإيرانية- العراقية أظهرا أنه يستطيع نسيان مشاكل الماضي"، مضيفاً "جميعنا مستعدون لطي صفحة الماضي والتقدم إلى الأمام". ـــــــــــــــــــــــــــــــــ سكوت بيترسون مراسل صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" في إسطنبول ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"