بعد مضي عام على تلك الهجمات الإرهابية التي شهدتها العاصمة البريطانية لندن, التي استنهضت حمية البحث عن الذات والهوية في إطار السعي لدمج الجاليات المسلمة المهاجرة في نسيج المجتمعات الأوروبية كلها, فقد كشف استطلاع جديد للرأي العام الأوروبي, عن تحول مذهل ومفاجئ نحو تبني السلوكيات الإيجابية في أوروبا, سواء من جانب المسلمين إزاء المجتمعات الأوروبية الأصلية, أم من الأوروبيين تجاه الجاليات المهاجرة المسلمة. وكان مشروع "بيو" لاستطلاعات الرأي العام العالمي قد أجرى هذا الاستطلاع خلال ربيع العام الحالي في 13 دولة, إلى جانب عينات إضافية لجاليات مسلمة تقيم في كل من بريطانيا, وألمانيا, وفرنسا، وأسبانيا. وقد أشارت نتائج هذا الاستطلاع إلى سرور ورضا الجاليات المسلمة المهاجرة عموماً عن أوضاعها في مواطنها الجديدة التي هاجرت إليها. أما من ناحية المجتمعات الأوروبية الأصلية, فإن سلوكياتها إزاء الجاليات المسلمة المهاجرة لم تسؤ خلال الفترة الماضية, إن لم تكن قد تحسنت في عدد من الدول خلال الفترة نفسها, على رغم الأحداث التي شهدها العام الماضي. والمقصود بهذه الأحداث, الهجمات الإرهابية على مدينة لندن في السابع من يوليو 2005 التي راح ضحيتها 52 شخصاً, وكذلك أحداث الشغب والعنف التي شهدها خريف فرنسا الماضي بقيادة الشباب والطلاب المهاجرين, الذين ينحدر أغلبهم من أصول مسلمة مهاجرة, مضافة إليها حملة الغضب الشعبي العارم التي اجتاحت الجاليات المسلمة المهاجرة والمجتمعات الإسلامية العربية على حد سواء جراء الرسومات الكاريكاتورية المسيئة لنبي الإسلام. كما أشار استطلاع الرأي ذاته إلى ترحيب تلك المجتمعات بدخول النساء المسلمات المهاجرات إلى أدوار اجتماعية حديثة, إلى جانب تفضيلها صيغة معتدلة للإسلام, فضلاً عن قولها إنها لا ترى الجزء الغالب الأعم من المجتمعات الأوروبية الأصلية معادياً للإسلام ولا للمسلمين. وفي المقابل أجاب كثيرون من غير المسلمين ممن شملهم استطلاع شبيه آخر أجري في فرنسا قبل عام من الآن, بأن فكرة استقدام مهاجرين إلى بلادهم من منطقة الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا, كانت فكرة إيجابية وجيدة. إلى ذلك أشارت نتائج الاستطلاع الحالي التي نشرت يوم الخميس الماضي, إلى مشاركة المسلمين المهاجرين لنظرائهم الأوروبيين القلق ذاته إزاء تفشي البطالة بينهم. يذكر أن "مشروع بيو" استطلع آراء نحو 14.030 ألف شخص خلال الفترة الممتدة من 31 مارس إلى 14 مايو المنصرم, في عدة دول شملت كلاً من بريطانيا, مصر, فرنسا, الهند, إندونيسيا, الأردن, نيجيريا, باكستان, روسيا, أسبانيا, وتركيا, إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية. أما هامش الخطأ في استطلاع رأي المواطنين الأصليين, فقد تراوح ما بين 2-6 نقاط سلباً وإيجاباً. وبين مسلمي أوروبا المتابعين للصراع والمواجهة بين النسختين المتشددة والمعتدلة من الإسلام, فقد أيد معظمهم التيار المعتدل من الإسلام. غير أن هذا لا يقلل من شدة الولاء لتيار الإسلام السياسي المتطرف في دول بعينها, في مقدمتها بريطانيا, حيث تؤيد نسبة 15 في المئة من الجالية المسلمة هناك تيار الإسلام السياسي المتشدد. كما أظهر الاستطلاع ذاته عدم وجود أية مشاعر كراهية إزاء المسلمين في أسبانيا ولا فرنسا. أما في ألمانيا –حيث توجد جالية كبيرة من المهاجرين الأتراك وبلدان الشرق الأوسط- فقد أشار الاستطلاع الذي أجري في أوساط الألمان الأصليين, إلى أن فكرة تهجير تلك الجاليات من البلدان إياها كانت جيدة وإيجابية. وهذا ما يشكل اتجاهاً إيجابياً في سلوكيات كل من الطرفين إزاء بعضهما بعضاً, على رغم الأحداث السلبية العاصفة التي شهدها العام الماضي. ديفيد رامبي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مراسل صحيفة "نيويورك تايمز" في باريس ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"