لم يوفق الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة كوفي عنان في إقناع الرئيس عمر البشير بالموافقة على إرسال قوات أممية إلى دارفور لتعين قوات الاتحاد الأفريقي أو تحل محلها في السيطرة على الوضع الأمني وتحقيق تنفيذ ما اتفق عليه بين الحكومة والمتمردين في ذلك الإقليم. كان ذلك يوم الأحد 2 يوليو عند لقاء عنان والبشير في العاصمة الغامبية، وقبل ذلك فشل رئيس جنوب أفريقيا السيد تابو مبيكي في المسعى ذاته واتضح أن البشير لا يريد التراجع عن قراره. إن الأمين العام للمنظمة الدولية لم ييأس تماماً وهو يقدر أن الخرطوم ستغير رأيها يوماً ما ولكنه أضاف قوله إنه "لم يفهم" الأسباب أو الدواعي التي حملت حكومة السودان على رفض العون الأممي رغم الحاجة الواضحة إليه، وهكذا فإن الوضع في الإقليم "المنكوب" يبقى مائعاً وقابلاً لأكثر من احتمال، ليس بينها ما يوحي بأن السيطرة على الوضع الأمني وتواصل تلقي الغوث بالنسبة لمن هم في حاجة إليه أمر قريب المنال. فالاتحاد الأفريقي الذي تولى الإشراف على الوضع في دارفور خلال الشهور الأخيرة يعترف بأنه غير قادر على أداء مهمته. ولكن حتى إذا أمكنه ذلك، فإن متمردي دارفور الذين تم التوصل إلى تصالح معهم، لا يقبلون أن يكون الإشراف على تنفيذ اتفاقية "أبوجا" بيد الحكومة السودانية. إن موقف الحكومة (وبالتحديد حزب الأغلبية في الحكم) يعكس عزلة لا يمكن إنكارها أو مداراتها، فالشريك الأول مع المؤتمر الوطني، وهو الحركة الشعبية، لا يرى مثل رأيه وكل أحزاب المعارضة أعلنت أنها مع دخول القوات الأممية، والمعارضون في دارفور الذين تم الاتفاق معهم يرون ذلك، كما أن هناك قوى أخرى ذات أثر ونفوذ في دارفور أعلنت أنها مع تدخل قوات دولية لأنه هو وحده الحل لإنهاء الوضع المأساوي في الإقليم وتنفيذ ما اتفق عليه دون تحريف أو تبديل. وقد انعكست هذه العزلة التي تحاول الحكومة إخفاءها بالوسائل الإعلامية، انعكست بصورة واضحة عندما تنادى ثلاثة من كبار رجال السلطة، هم وزير الدفاع ووزير الداخلية ورئيس جهاز الأمن، ظهر الأحد الماضي، ودعوا رؤساء تحرير الصحف إلى اجتماع عاجل أعلنوا فيه اتجاهات متعارضة، ومن ذلك: - الترحيب بالصحافة وحريتها والقناعة بقبول الرأي الآخر والاستعداد للانتقال للديمقراطي. - إعلان أن القوات المسلحة وبالطبع كذلك قوات الشرطة والأمن تدين بالولاء لرئيس الجمهورية ولهذا فهي ملزمة بتنفيذ قراره برفض القوات الأممية. - إن السودان يواجه خطراً عالمياً وإن هناك مؤامرة تدبر ضده، ولهذا لابد من الاستعداد لاحتمال مواجهة قادمة، ما يقتضي الوحدة خلف الحكومة. إن هذا الخطاب الذي تم تأكيده بواسطة قادة أجهزة القوة الرئيسية، فيه كثير من الاضطراب والتناقض، فولاء القوات المسلحة لقائدها الأعلى، وهو رئيس الجمهورية، قضية بديهية لا حاجة لإعلانها بالصورة التهديدية التي تمت بها مما يشكك أن في الأمر ما هو خافٍ على الناس. ثم إن الحديث عن خطر أجنبي محتمل في وقت تفرقت فيه اتجاهات السودانيين ومواقفهم في قضية مهمة، لا يخدم قضية الوطن، ذلك أن الشعوب تتأكد من وحدتها أولاً وتماسكها قبل أن تتحدث عن مواجهة أجنبية أول ما تقتضيه هو الوحدة. أن ترفض الحكومة التراجع عن رأيها رغم تزايد أعداد المعارضين له ثم تتحدث عن إعداد وطني لعدوان محتمل، فهذا يبدو كالعبث. سنحتاج لبعض الوقت حتى تستعيد أجهزة الدولة قدرتها على طرح رؤى سياسية وخطاب سياسي متناسق ومقنع... أما هذا الذي نرى فإنه مضطرب وغير مقنع.