في ظل العولمة أصبح العالم متشابكاً ومتداخلاً في كل المجالات خاصة المجال الاقتصادي، ولم يعد في مقدور أية دولة أن تعيش بمفردها مهما بلغت قدراتها وإمكاناتها، وبالتالي لم يعد الاندماج في العولمة خياراً وإنما حتمية لازمة للبقاء ضمن دائرة التقدم العالمي الذي يشهد قفزات كبيرة ومتسارعة في كل المجالات. إن الضغوط المشتركة التي تخلقها حرية حركة رأس المال والتقدم التكنولوجي والمنافسة الشديدة في الأسواق، أصبحت قوة لا يمكن العمل ضدها وهي خارج طاقة متخذي القرارات على الصعيد الوطني. وبغض النظر عن النقاش والخلاف الدائر حول نتائج هذه الظاهرة والمتعلقة بكونها تخلق الأزمات الاقتصادية أو تؤدي إلى النمو الاقتصادي أو خلق حالة من العدالة بين الدول، فإنها وبالاتفاق العام تقلص من الدور الوطني للدول في إدارة الاقتصاد الوطني. الإمارات من الدول التي أدركت هذا الأمر مبكراً، ولم تقف كثيراً عند الجدل حول فوائد ومخاطر العولمة، وإنما نظرت إليها على أنها حقيقة عالمية واقعة لابدّ من التفاعل معها والأخذ بما توفره من فرص ومكاسب، وصاغت توجّهاتها وخططها الاقتصادية على هذا الأساس. فوفقاً لمؤشر "كوف للعولمة" الذي يقيّم أداء 123 دولة حول العالم، ويعتمد على قياس الأداء السياسي والاقتصادي والاجتماعي في هذه الدول على مدى أكثر من ثلاثين عاماً، حلت دولة الإمارات في المرتبة الأولى على مستوى العالم العربي والحادية والعشرين على مستوى الدول المدرجة في المؤشر، متفوقة بذلك على العديد من الدول المتقدمة. وهكذا استطاعت دولة الإمارات حتى الآن أن تحقق نجاحات اقتصادية من خلال تطبيق سياسات اعتمدت استقرار الاقتصاد الكلي وارتفاع معدلات الاستثمار، إلا أن التفاعل بإيجابية مع متطلبات العولمة لتجنب آثارها السلبية واستغلال الفرص السانحة التي تتيحها، يتطلب بالضرورة خلال المرحلة المقبلة مزيداً من الإصلاحات الاقتصادية الحقيقية، من خلال توسيع قاعدة الإنتاج وتنويعه وزيادة كفاءته بصورة مستمرة، مستغلة في ذلك التحسن في أسواق النفط، والتحسن في بيئة الاستثمار، إلى جانب العديد من السياسات الإصلاحية وجهود تنويع القاعدة الإنتاجية. إن أوزان القطاعات غير النفطية في الاقتصاد المحلي ما زالت ضعيفة، ومعتمدة بشكل أساسي على النفقات الحكومية بشكليها الجاري والاستثماري المعتمدة على الإيرادات النفطية المتذبذبة، مما يشكل خطورة مستمرة على الاستقرار الاقتصادي، الأمر الذي يحتم ضرورة البحث عن مشروعات استراتيجية بعيداً عن النفط، كما يحتم في الوقت نفسه ضرورة خلق تعاون وتنسيق أكبر في ما بين الحكومة والقطاع الخاص من خلال شراكة اقتصادية استراتيجية تقوم على خدمة جهود التنمية وتحقق مصالح الطرفين. بالنسبة للحكومة يكمن التحدي في خلق بيئة اقتصادية ومالية مستقرة، وفي الوقت نفسه إتاحة مساحة أكبر للقطاع الخاص ليمارس دوراً تنموياً أكثر فاعلية. أما بالنسبة للقطاع الخاص فإنه سيكون بحاجة إلى الاستغلال الأمثل لميزاته التنافسية التي تمكنه من الصمود في وجه موجة من التطورات الإقليمية والعالمية التي تحمل في طياتها العديد من التحديات والمخاطر، مثلما تحمل فرصاً وآفاقاً واسعة للنمو والتطور والتقدم. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية