عرفت الحملة الانتخاببية الكويتية الأخيرة مواجهة حافلة هي الأكثر شراسة والأقصر عمراً والأكثر استقطاباً وفرزاً واصطفافاً بين تياري وكتلتي "العدالة والمساواة" من جهة و"الإصلاح والتغيير" المطالبة بتقليص الدوائر من النظام الحالي القائم على 25 دائرة إلى 5 دوائر للقضاء على الشوائب والتكتل الطائفي والقبلي والعائلي وتوظيف المال السياسي، وإيصال نواب الخدمات والقضايا الضيقة والمحدودة، في تشويه للتجربة الكويتية المميزة والانتقال بها لوضع أكثر شفافية ونضجاً. هذه الحركة الأخيرة المكونة من 29 نائباً من النواب الـ50 في تحالف فضفاض هش أخذت من اللون البرتقالي شعاراً ولوناً لها وحركت الشارع وأطلقت حركة شبابية وفضائية ومواقع على الإنترنت وجماعات اللجنة العليا لشفافية الانتخابات وحركة نزاهة وشباب ضد الفساد في مشاركة لافتة لانغماس الشباب لأول مرة بهذه الطريقة المسيَّسة في مجتمع خليجي مرفه لا يعاني من مشاكل اقتصادية واجتماعية ملحة. وفي الطرف الآخر هناك كتلة العدالة المكونة من 18 نائباً مستقلاً قريباً من الحكومة ويطالبون بالعدالة والمساواة وأخذوا اللون الأزرق شعاراً وكأننا في منازلة رياضية مسرحها الكويت والمتفرجون 340 ألف ناخب بينهم حوالى 200 ألف امرأة. كتلة العدالة ترفض طرح تقليص الدوائر الانتخابية بسبب تكريسه لعدم المساواة وغياب العدالة والمطالبة بالتقليص بناء على مساواة عدد الناخبين وحق الناخب باقتراع أعداد متساوية من المرشحين دون تفرقة. في انتخابات تابعها الكويتيون والخليجيون والعرب وخاصة النساء في المنطقة للتعرف على التجربة الكويتية وفرص فوز المرأة لها دلالات وأبعاد كثيرة أولها انتصار المرأة في أول إطلالة سياسية لها ولقوى التغيير والإصلاح في الكويت والمنطقة ككل. وقد عكست النتائج المزاج العام باتجاه الإصلاح والتغيير وأتت لتثبت أن قوى التغيير زادت من عددها، والقوى المتحالفة مع الحكومة لحقت بها انتكاسة، وكأن التوجه الواضح هو إرسال رسالة واضحة للحكومة بأن الأغلبية تريد الإصلاح والدوائر الخمس في طغيان للون البرتقالي، حيث لم يزدد عدد النواب الإصلاحيين من 29 إلى 33 فحسب بل أتى معظمهم في المراتب الأولى وخاصة قادة ذلك التكتل، مع عودة بعض النواب السابقين المخضرمين المؤيدين لخط الكتلة. فيما تراجع نواب كتلة العدالة الـ18 المستقلون إلى 13 نائباً. هذا مع انخفاض واضح بنسبة التغيير في تركيبة مجلس الأمة التي تصل في متوسطها إلى حوالى 50% تغييراً، حيث وصلت نسبة التغيير 38% فقط، مع انخفاض نسبة المشاركة السياسية للناخبين إلى 66% فيما كانت في انتخابات عام 2003 بنسبة 81%. وأحد الأسباب المهمة لتدني المشاركة السياسية هو مشاركة المرأة حيث وصلت نسبة مشاركتها 58% مقابل 77% للرجال. الملفت أيضاً أن الأمر لم يقتصر على أن أياً من المرشحات الـ27 لم تفز كما كان متوقعاً ولكن تنافسن على المرتبة الأخيرة في دوائرهن الانتخابية في عزوف وعدم اقتناع نسوي -قبل الذكور- بمنح المرأة الثقة وإيصالها للبرلمان مما كان محبطاً للنساء. وليس هذا فحسب بل إن المرأة التي كانت أقرب ما تكون كظاهرة عددية تسابق لخطب ودها المرشحون والمرشحات الذين عدلوا من أطروحاتهم وتبنوا قضايا المرأة والأسرة والقضايا الاجتماعية التي فرضت نفسها بسبب دور المرأة مرشحة وناخبة ومرجحة في صناديق الاقتراع. قال الشعب كلمته وبشكل مدوٍّ وواضح ووصلت الرسالة لمن يعنيهم الأمر والجميع يطالب الحكومة والقوى الأخرى بأن تقرأ الرسالة وما بين السطور عبر تشكيلة وزراية متجانسة، تستبعد وزراء التأزيم وتقديم برنامج حكومي واضح يكرس الإصلاح السياسي والاقتصادي ويتعاون في قضية الدوائر. عندها المطلوب من المجلس التعاون والابتعاد عن التصعيد وتصفية الحسابات والحسابات الضيقة وشخصنة العداء، لأن مواجهة جديدة، ورفع سقف المطالب سيعنيان دخولاً في متاهة جديدة، قد تقصّر من عمر المجلس مجدداً ويخسر الجميع ولا يتحقق الإصلاح الذي يدعيه ويتبناه الجميع. إنها تحديات كبيرة تستدعي من الجميع التعاون وحسن النية والابتعاد عن التصعيد والقراءات الخاطئة من الطرفين.