من المغري القول إن التعددية الثقافية ماتت في الولايات المتحدة، غير أن ذلك قد يعني أنها كانت موجودة في وقت من الأوقات. وقد ظهرت التعددية الثقافية –والمقصود بها الإيديولوجيا التي تدافع عن المساواة بين الثقافات المختلفة داخل البلد الواحد– حوالى سنة 1970 عندما كان المقيمون الذين ولدوا بالخارج يشكلون أدنى نسبة من السكان الأميركيين في تاريخ الولايات المتحدة. وإذا كانت قد جاءت لتحوي أقليات أخرى، فإن الأميركيين الأفارقة منحوا حركة الدفاع عن التعددية الثقافية دفعة قوية عندما خلص النشطاء السود إلى أنهم لم يعودوا يرغبون في الانضمام إلى ثقافة شائعة لا تمنحهم عضوية كاملة. ومنذ ذلك الوقت، حقق الخطاب المدافع عن التعددية الثقافية مكاسب كبيرة في الولايات المتحدة، وبخاصة في الدوائر التعليمية. حيث تم رفض مفهوم الانصهار في الأوساط الأكاديمية، على سبيل المثال، وتم استبدال استعارة "البوتقة" بـ"الفسيفساء" أو "طبق السلطة" –وهي تشبيهات تشدد على الخصوصية الثقافية للأقليات العرقية. غير أن الخطاب والواقع أمران مختلفان. فرغم أن المدافعين عن التعددية الثقافية أقنعوا المجالس المدرسية بضرورة أن تشمل كتب التاريخ المدرسية مساهمات غير البيض في الحضارة الأميركية، فإنهم لم يتمكنوا أبداً من إقناع الحكومة الفيدرالية بضرورة تبني نظام حقيقي يعتمد التعددية الثقافية، يتم فيه تزويد الأقليات بالوسائل والأدوات التي تمكنها من الحفاظ على عوالم مميزة ومتوازية. والحقيقة أن الخطاب الداعي إلى اعتماد التعددية الثقافية لم يضعف عمليات الانصهار والالتقاء الثقافي الأساسية في الولايات المتحدة. صحيح أن الحكومة دعمت برامج التعددية الثقافية من قبيل التعليم مزدوج اللغة لأطفال المهاجرين، ووفرت الأصوات الانتخابية بلغات مختلفة بالنسبة للمواطنين الجدد. غير أن هذه التدابير ظلت محدودة؛ ناهيك عن كونها لا تحافظ على الاختلاف الثقافي على المدى البعيد، ولا تضع اللغات الأجنبية على قدم المساواة مع اللغة الإنجليزية. وكان من نتائج ذلك أن تحولت الأيديولوجيا، التي بدأت كدعوة إلى ثقافات منفصلة ومتساوية، تدريجياً إلى "نوع من التعددية الثقافية الخفيفة"– إيديولوجيا تدافع عن التنوع باعتباره قوة وطنية، بل وحتى هوية وطنية. ويقول "غاري غورسل"، المؤرخ بجامعة ميريلاند، "تعد التعددية الثقافية وليدة الراديكالية، غير أنها اقتصرت على العالم الأكاديمي وظلت هامشية بالنسبة لطريقة عيش الأميركيين"، مضيفاً: "لقد هُزمت التعددية الثقافية الصلبة وتم ترويضها وتدجينها ثم امتصاصها. وبالتالي، فما نشهده اليوم هي تعددية ثقافية ناعمة ساعدت على تقبل كبير لفكرة أنك طالما تقدم نفسك على أنك أميركي، فإن الاحتفاء بعرقك أمر مقبول". وتأسيساً على ما سبق، يجوز التساؤل هنا: لماذا تثير "التعددية الثقافية" كل هذا الخوف والتوجس في قلوب المنتقدين؟ ربما يكون من الأنسب الإشارة في هذا السياق إلى النائب "الجمهوري" توم تانكريدو من ولاية كولورادو، والذي لا يتوانى عن وصف "التعددية الثقافية" بـ"الانتحار الثقافي"، في حين يتوقع حاكم كولورادو السابق "ديك لام" أن تؤدي التعددية الثقافية إلى "تدمير الولايات المتحدة". ولعل خير مثال على الخوف غير المبرر الذي يساور البعض حيال الانفصال الثقافي هو حركة "الإنجليزية فقط". فرغم الدلائل القاطعة والأرقام الصريحة على أن أسر المهاجرين تُقبل بشكل حثيث على تعلم اللغة الإنجليزية، فإن عدداً من المنتقدين يصر على أن مكانة الإنجليزية بالولايات المتحدة أضحت في خطر. والحال أن النظام التعليمي في أميركا مصوب بشكل يكاد حصرياً نحو اللغة الإنجليزية؛ ثم إن الثقافة الأميركية واحدة من أكثر الثقافات تأثيراً وقوة على مر التاريخ. ومع ذلك فلا زال هؤلاء يعتقدون أنه لابد من الإرغام من أجل جلب الناس إلى الحظيرة. علاوة على ذلك، تزداد القيمة الاقتصادية للغة الإنجليزية بشكل مطرد، حيث يتوقع الخبراء أن يتقن التحدث بها نصف سكان العالم بحلول عام 2050. والحقيقة أنه من الإجحاف أن ندعي أن العائلات التي تستقر بالولايات المتحدة لا تهتم بهذه اللغة. وفي هذا السياق، يقول "ريتشارد ألبا"، الذي يعد واحداً من أشهر الخبراء في انصهار المهاجرين في المجتمع الأميركي: "ربما لم تكن ثمة أبداً فترة في تاريخ الولايات المتحدة كانت فيها اللغة الإنجليزية بهذا الحضور وهذه القوة". وبالرغم من مخاوفنا، أعتقد أن أغلبية الأميركيين يدركون في قرارة أنفسهم الأمر. كما أن الرئيس جورج بوش، الذي يشدد على ضرورة الانصهار تبديداً لمخاوف الخائفين في وقت يسعى فيه إلى تمرير إصلاح خاص بالهجرة، مدرك لحقيقة أنه لا وجود لخطر انفصال ثقافي أو لغوي قد يهدد السيادة الوطنية، حيث وجه بوش مؤخراً تعليماته إلى وزير الأمن الداخلي مايكل شيرتوف بإنشاء "هيئة يعهد إليها بالأميركيين الجدد"، وذلك بهدف توسيع المبادرات المحلية ومساعدة المهاجرين على الانصهار في المجتمع. وإذا لم تكن الفكرة سيئة، فإن التمويل الذي أوصى به بوش لتمويل المخطط يكشف أهميته وأولويته الحقيقية بالنسبة للإدارة الحالية. وقد ألقى الرئيس بوش في يوم كلمة باللغة الإنجليزية خلال "إفطار الصلاة" أمام جمع من الأميركيين المنحدرين من أصول لاتينية بالعاصمة واشنطن. وفي ختام كلمته، لم يتردد بوش في توظيف طريقته الخاصة في التعددية الثقافية قائلاً بالأسبانية "كِي ديوس لِيس بانديغا" (ليبارككم الله). غريغوري رودريغيز زميل في مؤسسة "نيو أميركا" ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"