اكتسب موضوع إدارة الحكم أهمية متزايدة في السنوات القليلة الماضية، وأصبح من أولويات صانعي القرار في كافة أنحاء العالم؛ وذلك على ثلاثة مستويات: أولها يتعلق بكيفية إدارة الشؤون الاقتصادية والمالية على المستوى العالمي، وثانيها يعنى بالسياسة الاقتصادية الكلية لدولة ما وبكيفية إدارة وتوزيع الموارد الوطنية، أما الثالث فيتعلق بتنظيم وإدارة المؤسسات داخل الدولة. واعتباراً لذلك الاهتمام وما يعكسه من تغير كبير في أوضاع الدول والمجتمعات، يتناول إبراهيم فريد عاكوم في كتابه "إدارة الحكم والعولمة"، والذي نعرضه فيما يلي باقتضاب، مجمل سمات الحكم الرشيد، سواء لجهة الأهداف أو الآليات التنفيذية، مبرزاً ضرورته للحفاظ على كيانات الدول وكذلك التحديات التي تواجه قيامه في ظل العولمة. فالحكم السليم يشكل شرطاً لازماً لعملية النمو المستديم ومحاربة الفقر، إذ توضح التجارب أن الحكم غير السليم يمثل عاملاً أساسياً في إعاقة الجهود الرامية إلى تحقيق أهداف التنمية الوطنية، ويعمق الحرمان والتمايز بين فئات المجتمع، ومن ثم يولد عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، كما يحول دون الوصول إلى مرامي المجتمع الدولي متمثلة في ما سمي الأهداف الإنمائية للألفية. وفي ظل العولمة التي تزداد تسارعاً، أضحت مهمة إدارة الحكم أكثر صعوبة من ذي قبل، بل تحولت إلى عملية معقدة وشائكة، وفي ضوء هذا الواقع، أصبح متخذو القرار على المستوى المحلي، سواء بالنسبة للقطاع العام أو القطاع الخاص، يواجهون مشكلات أكثر صعوبة وتعقيداً من ذي قبل. يبدأ المؤلف في القسم الأول من كتابه بتحليل الأسباب الموجبة لتبني أسلوب الإدارة السليمة للحكم، قائلاً بأن هناك أسباباً متعددة وراء هذا السعي الجديد نسبياً نحو تحقيق المعايير الدولية لتعزيز الحكم السليم، إلا أن أهمها هو السرعة المتناهية لعملية العولمة، والمتمثلة في زيادة تحرير تجارة السلع والخدمات، أما السبب الآخر فهو الإدراك بأن إدارة الاقتصاد العالمي خلال العقود القليلة الماضية لم تكن مرضية، وأن القواعد والسياسات والإجراءات التي تحكم هذه العملية لم تعد تتلاءم مع ظاهرة العولمة وما تفرزه من تغيرات على الساحة الدولية. ويقيم الباحث في القسم الثاني من الكتاب أداء الاقتصاد العالمي، مؤكداً الرأي القائل بأن سجل عملية التنمية الاقتصادية في العقدين الماضيين لم يكن مشرفاً على الإطلاق، بل جاء مخيباً للآمال. ويشدد على الحاجة إلى إدارة عملية التنمية الاقتصادية العالمية بشكل أفضل، بما يتضمنه ذلك من مسؤولية الدول الغنية، ومعها الدول النامية نفسها. فزيادة المعونات الخارجية ومبادرات خفض أو إعادة هيكلة المديونية، لا يمكن أن تكون حلاً وحيداً لانتشال الدول النامية من أزماتها، بل المطلوب هو تحسين وتطوير مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون "هيبيك"، من خلال زيادة الأموال المتاحة للدول المؤهلة للاستفادة منها، وفقاً لمقررات القمة العالمية حول التنمية المستدامة (جوهانسبرج 2002). كذلك تتحتم زيادة المساعدات الإنمائية الرسمية، ويجب على الدول الصناعية الغنية أن تفتح أسواقها لصادرات سلع الدول النامية، وأن تلغي الدعم والإعانات المالية لقطاعات معينة، ومعه باقي التدابير الحمائية الأخرى التي تتبعها. وفي سياق الترابط المتزايد بين اقتصادات العالم كنتيجة لثورة الاتصالات، يناقش القسم الثالث من الكتاب العلاقة بين العولمة والنمو الاقتصادي والفقر. فبينما يعطي مؤيدو العولمة أهمية كبرى لهذه الظاهرة كعامل أساسي وفعال في مكافحة الفقر، يشير منتقدوها إلى الهوة المتزايدة بين جنوب العالم وشماله. أما المؤلف فيعلق بالقول إنه يجب النظر إلى العولمة كفرصة وتحدٍّ في الوقت نفسه، ذلك أن الواقعية تحتم التعامل مع هذا الموضوع من ناحية براجماتية دون التخلي عن مبادئ أساسية. وبهدف تأسيس أرضية صلبة لنظام عالمي يوازن بين مصالح الجميع ويضمن الاستقرار الاقتصادي والسياسي للدول الغنية والدول الفقيرة معاً، يتوجب على المجموعة الدولية أن تتبنى نهجاً جديداً مبنياً على إدارة أفضل لعملية العولمة، وعلى مكافحة الفقر والفساد وعدم المساواة، وعلى إدارة أفضل للاقتصادات الوطنية ومؤسساتها. في القسم الرابع من الكتاب، يتناول المؤلف مفهوم وطبيعة إدارة الحكم الرشيد ويغوص في تفاصيل ذلك، معرفاً الأخير بأنه العملية التي تتم من خلالها بلورة وتنفيذ السياسات الوطنية، وبموجبها يتم توزيع الموارد بما يتوافق ونمط القوى السياسية والاقتصادية السائدة في حينه، ومن ثم فإن الإدارة الجيدة للحكم هي "التوزيع العادل والفعال للموارد المتاحة في إطار مؤسسي مناسب يهدف إلى خدمة المصلحة العامة وضمان التنمية القابلة للاستمرار". وفي معرض شرحه لمكامن الخلل الذي قد يعيق عملية إدارة الحكم عن بلوغ أهدافها، يحدد المؤلف أربع عمليات مختلفة في دورة إدارة الحكم هي: عملية توزيع وتخصيص الموارد، عملية بلورة السياسات والبرامج، عملية تطبيق السياسات والبرامج، وأخيراً عملية توزيع الدخل. ومن شأن سير هذه العمليات الأربع أن يحدد كيفية توزيع وتخصيص الموارد، وملاءمة السياسات والبرامج، وفعالية وكفاءة التطبيق، وعدالة توزيع الدخل الوطني. وإلى ذلك، ثمة مسألتان أساسيتان لتحسين إدارة الحكم في ظل العولمة: مكافحة الفساد وآثاره الضارة، ودعم الاستخدام المنتج والمفيد اجتماعياً للموارد المتاحة. ومن ذلك يخلص عاكوم في نهاية كتابه، إلى ضرورة شن حرب شاملة ضد الفقر والفساد وعدم المساواة... من أجل نظام أفضل لإدارة الحكم، يحقق المصالح الاقتصادية والاجتماعية، محلياً وعالمياً. محمد ولد المنى الكتاب: إدارة الحكم والعولمة المؤلف: إبراهيم فريد عاكوم الناشر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية تاريخ النشر: 2006