أعلن رومانو برودي رئيس الوزراء الإيطالي تمسكه بخصخصة وتحرير بعض قطاعات اقتصاد بلاده الصناعية الأكثر حماية, على رغم احتجاجات وتظاهرات المتضررين من السياسات هذه. وكان برودي ووزير اقتصاده "بيرلوجي برساني قد عقدا سلسلة من اللقاءات الصحفية والتلفزيونية الأسبوع الماضي, للدفاع عن قرار وزاري يقضي بطرح الأدوية والعقاقير الطبية للبيع في البقالات بدلاً من حصرها على الصيدليات وحدها, وكذلك إلغاء الحد الأدنى لرسوم الخدمات القانونية والمهنية المعمول بها سابقاً وتركها مفتوحة حسب أسعار السوق الجارية, إلى جانب السماح لشركات القطاع الخاص بدخول حلبة المنافسة مع الشركات الحكومية في قطاع المواصلات, متبوعاً بقرار آخر يقضي بزيادة رخص سيارة الأجرة الخاصة في هذا القطاع. وكان مجلس الوزراء قد صادق من ناحيته على هذه المقترحات يوم الجمعة الماضي, بغية إحالتها إلى البرلمان, حيث لا أحد يستطيع الجزم بما يؤول إليه مصيرها. ومن بين هذه الاقتراحات التي أثارت ردود فعل فورية ناقمة عليها, قرار زيادة رخص سيارات الأجرة, إذ أعلن سائقو السيارات هذه عن إضراب عام يوم الاثنين الماضي, دفاعاً عن مهنتهم التي تحظى بحماية حكومية كبيرة تقليدياً. وبسبب الإضراب الذي عم المدن الإيطالية كلها, وجد مئات السياح والزوار أنه لا وسيلة للتنقل أمامهم في بعض المناطق سوى المشي على الأقدام! تعليقاً على هذه المقترحات قال "فرانكو مونتيكورفو" أحد سائقي سيارات التاكسي في العاصمة روما: "هذا ليس تحريراً اقتصادياً وإنما هو ثأر سياسي, مرده إلى علم اليسار بانحيازنا إلى يسار الوسط". وكان هذا السائق يجلس مع عشرات آخرين في موقع أثري تاريخي وسط المدينة لعدة ساعات دون أن يقل أياً من الركاب. بل أكد السيد "مونتيكورفو" وعدد من قادة نقابته أن إضرابهم عن العمل ربما يظل مفتوحاً إلى أجل غير مسمى. وقال مضيفاً إنه ربما تمكنت الحكومة من الانتصار علينا لأنها الأقوى بالتأكيد, إلا أننا سنواصل الصمود من جانبنا ولن نستسلم بسهولة أبداً. أما في مطار ليوناردو دافنشي في روما, فقد رفض مئات سائقي التاكسي حمل الركاب وترحيلهم, بينما تعمد آخرون القيادة ببطء حتى يبطئوا سير المرور من وإلى المدينة. هذا وقد نفذت إضرابات مماثلة في كل من ميلانو وجنوا وتورينو ونابولي وغيرها من كبريات المدن الإيطالية. لكن وعلى رغم كل هذه الاحتجاجات, يؤكد السيدان برودي وبرساني ضرورة هذه التغييرات, بسبب ارتفاع الأسعار الاستهلاكية لمدة طويلة من الزمن, مما يؤثر سلباً على النمو الاقتصادي القومي على حد تعبيرهما. ونقل عن برودي قوله إن في الإمكان دائماً فهم الدوافع التي تؤدي بالمواطنين إلى التظاهر والاحتجاج, غير أنه كلما تأمل المرء الإجراءات الجديدة هذه وتأثيراتها, كلما ازداد قناعة بأهميتها وضرورتها للاقتصاد القومي على المدى البعيد, وبخدمتها للمصلحة العامة. إلى ذلك ذهبت تقديرات بعض الاقتصاديين إلى أن سياسات التحرير الجديدة التي بشر بها برودي, ربما تساعد المواطن الإيطالي على رفع متوسط مدخراته السنوية إلى ما يتراوح بين 500 إلى 1000 يورو, أو ما يعادل 640 إلى 1.280 دولار سنوياً. وليس ذلك فحسب, بل لقد رحبت بعض جماعات المستهلكين بهذه الإجراءات المقترحة. وكما هو طبيعي ومتوقع, فقد رفع منتقدو هذه السياسات أصواتهم منددين بها. "ليست لهذه الإجراءات أدنى صلة بالاقتصاد ولا التحرير ولا الإنتاجية. فهي ليست سوى مناورة ديماغوجية مبتذلة"، ذلك هو تعليق "تور فيرجاتا" أستاذ العلوم السياسية بجامعة روما وعضو البرلمان الأوروبي. وأضاف مستطرداً أن إيطاليا بحاجة إلى التحرير والخصخصة.. ولكن لمَ اقتصر الأمر كله على سائقي سيارات الأجرة وحدهم؟! بيتر كيفر ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مراسل صحيفة "نيويورك تايمز" في روما ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"