من الخطأ أن يتم التعامل مع أحداث الشرق الأوسط من غرف مغلقة، والأفضل أن يتم اتباع دبلوماسية جديدة ومنسقة، تشارك فيها الولايات المتحدة وأوروبا والدول العربية وإسرائيل، للوصول إلى اتفاقية سلام شاملة. فهذا فقط هو الذي يمكن أن يحول دون ظهور أزمات جديدة في المنطقة. إن الأزمة الأخيرة في غزة، والتي حدثت إثر تسلل المسلحين الفلسطينيين إلى إسرائيل وقيامهم باختطاف عريف في الجيش الإسرائيلي يدعى "جلعاد شاليت"، تهدد التقدم الضئيل الذي يكاد يكون قد تجمد الآن في المنطقة، كما تهدد أيضاً بمفاقمة التوتر القائم. فبعد تلك العملية أمر رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، وهو ليس جنرالاً سابقاً مثل سلفه أرييل شارون، قوات إسرائيل الجوية والبحرية والبرية بالعمل على استعادة العريف المذكور سالماً، وأن تقوم بضرب منشآت المياه والكهرباء والجسور والطرق وإمدادات الوقود ومخازن الأطعمة... في غزة التي يعاني سكانها البالغ عددهم 1,4 مليون نسمة من أوضاع معيشية صعبة. وما يقوله السيد أولمرت وقواته المسلحة هو أن عملية إنقاذ العريف "شاليت" يمكن أن تتضخم بسرعة لتتحول، كما يرى المراقبون على الأرض، إلى جهد متصل لتدمير حركة المقاومة الإسلامية "حماس" التي جاءت بها الانتخابات التشريعية الفلسطينية الأخيرة إلى سدة السلطة. ونية أولمرت الخاصة بتدمير "حماس" والسلطة الوطنية الفلسطينية معاً، بدت واضحة من خلال قيام قواته باعتقال عشرات الوزراء والنواب الفلسطينيين، ومن خلال الغارات الجوية التي دمرت بيوتهم ومكاتبهم وبنيتهم الأساسية في غزة. وكانت إسرائيل والغرب قد أوقفا تعاملهما مع الحكومة الفلسطينية التي تقودها "حماس"، وقطعا الأموال والمساعدات عنها، لأن ميثاقها يرفض الاعتراف بإسرائيل، كما يرفض التخلي عن خيار المقاومة المسلحة، رغم أن "حماس"، وقبل عملية اختطاف العريف الإسرائيلي، كانت قد اتفقت مع حركة "فتح" المنافسة لها، على صيغة اتفاق يتضمن اعترافاً ضمنياً بإسرائيل، ويوافق على خيار الدولتين اللتين تعيشان جنباً إلى جنب. عقب مناشدات عاجلة من قبل الأمم المتحدة والحكومات الغربية، قامت إسرائيل لفترة قصيرة بالسماح بدخول بعض المساعدات الإنسانية إلى القطاع. بيد أن هذا الإجراء لم يكن إلا رفعاً جزئياً للحصار على الفلسطينيين، في حين أن المطلوب هو تدخل أميركي حاسم لمنع الحرب التي تتزايد حرارتها تدريجياً بين "حماس" وإسرائيل من إشعال حريق يشمل المنطقة برمتها. وفي إطار التصعيد العسكري، قامت الطائرات الإسرائيلية بالتحليق فوق قصر الرئيس بشار الأسد في دمشق، بغرض إرهاب سوريا ودفعها لتسليم قادة "حماس" مثل خالد مشعل، كما دعا السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة، جون بولتون، الحكومة السورية لتسليم مشعل. بيد أن هذه الإجراءات لم تؤدِّ سوى إلى تصليب المقاومة، وزيادة مستويات التحفز في العالم الإسلامي الذي حققت فيه الحركات الإسلامية مكاسب واضحة خلال الشهور الماضية؛ سواء في مصر أو في السعودية أو اليمن أو الجزائر أو السودان، وأخيراً في الصومال. إن تفاقم الصراع العربي- الإسرائيلي في الماضي أدى إلى نشوب حروب أعوام 1956، 1967، 1973 و1982. لكن معاهدات السلام التي وقعتها إسرائيل مع كل من مصر والأردن تحول دون وقوع حرب واسعة النطاق في الوقت الراهن. لذلك رأينا الرئيس المصري حسني مبارك، وهو حليف للولايات المتحدة، يقوم بإرسال مدير استخباراته عمر سليمان لمحاولة التوصل إلى صفقة بين إسرائيل والمسلحين الفلسطينيين الذين يطالبون بالإفراج عن 10 آلاف أسير مقابل الإفراج عن "شاليت". لكن الولايات المتحدة بحاجة حالياً للقيام بممارسة النفوذ المباشر والمستمر الذي قاد منظمة التحرير الفلسطينية في أواخر الثمانينيات إلى نبذ العنف وإلى اتفاقيات "أوسلو" و"خريطة الطريق"... وهي كلها إنجازات على طريق السلام سقطت جزئياً فيما بعد بسبب إهمال واشنطن في متابعتها وذلك نتيجة ضغوط المتطرفين الإسرائيليين وعجز الدبلوماسية العامة الأميركية في العالمين العربي والإسلامي. الرئيس جورج بوش ووزيرة خارجيته كوندوليزا رايس بشكل خاص، يبديان تفهماً لبعض هذه العناصر، وإن كان ذلك بشكل بطيء. لكن هذا لا يكفي بالطبع حيث المطلوب الآن هو أن تقوم واشنطن بمبادرة جريئة لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى الشعب الفلسطيني المحاصر. كما يجب عليها إلى جانب ذلك أن تقدم دعماً قوياً ومرئياً إلى العناصر المعتدلة في العالمين العربي والإسلامي، خصوصاً أثناء الأزمة الحالية. إن هذا سيؤدي إلى تحقيق مكاسب في حرب بوش على الإرهاب، كما سيساعد الجهود الرامية لتحقيق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين والتي خرجت عن مسارها إلى العودة إلى ذلك المسار مرة أخرى. ــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"